بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الثاني 2018 12:00ص عود على بدء

حجم الخط
إذا كانت الحكومة نجحت في أن تنأى بنفسها عن الأزمة المتصاعدة بين الرئاستين الأولى والثانية، فذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أن الكباش الرئاسي حول مرسوم منح أقدمية لضباط دورة العام 1994 بدأ يسلك طريقه الى التوقف، وذلك بعدما اتضح للجميع ان الصراع الدائر حالياً بينهما هو صراع على الصلاحيات بين الرئاستين، بدأ مع تشكيل حكومة استعادة الثقة بإصرار الثنائي الشيعي على الحصول على التوقيع الثالث، ونجاحه في فرض هذا الامر على الرئاستين الأولى والثالثة، ليصار بعدها الى تثبيته كعرف وان لم ينص عليه اتفاق الطائف.
وليس أدل على ذلك سوى ما سرّبه عمداً أمين عام حزب الله في حديثه التلفزيوني أول أمس، من أن حل أزمة المرسوم المذكور صعب ومعقد، وما سربته أوساطه من أن السيد ميال الى وجهة نظر الرئاسة الثانية التي تنطلق من ضرورة احترام الدستور والميثاقية والاعراف، على أساس ان الدستور نص على ان توقيع وزير المال على أي مرسوم جمهوري تترتب عليه أعباء مالية ملزم، ولا يصبح المرسوم نافذاً إلا بعد توقيع وزير المالية.
وهذا يعني أن الأزمة بين الرئاستين الأولى والثانية مستمرة الى ان يتمكن الثنائي الشيعي من تكريس سابقة توقيع وزير المالية على كل المراسيم وتحويلها الى عرف، خلافاً لما نصت عليه محاضر إجتماعات الطائف لجهة أن وزارة المالية تعتبر واحدة من الوزارات السيادية الأربع، ويتم التناوب على توليها بين الطوائف الرئيسية التي تتشكل منها كل المكونات اللبنانية، وما قاله الأمين العام لحزب الله يعكس بشكل أو بآخر هذا الواقع، ويعبر عن رغبة قديمة عند التحالف الثنائي الشيعي في إعادة النظر بالطائف والصلاحيات الرئاسية عبر عقد موتمر تأسيسي هدفه الوصول الى حكم المثالثة بين الطوائف الثلاث، المسيحية والسنية والشيعية، طرحها خلال مرحلة الشغور الرئاسي، ولم يغفل عنها عند تشكيل حكومة استعادة الثقة، بل كان واضحاً وضوح الشمس بأنه لا يمكن أن يتنازل عن وزارة المالية حتى وان لم تتشكل الحكومة، ووقعت البلاد مجدداً في أزمة فراغ كما حصل في المرحلة التي سبقت الاتفاق على انتخاب مرشح حزب الله العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
من هنا يمكن الاستنتاج بأنه اذا كانت الحكومة التأمت بكل أعضائها هذه المرة، ونجحت في أن تنأى بنفسها عن أزمة مرسوم اعطاء الاقدمية، فانها في حال استمرت هذه الأزمة، ويبدو انها مستمرة، لا تستطيع ان تستمر في النأي بنفسها مستقبلاً، لانها ستكون جزءاً أساسياً من هذه الأزمة لا سيما بعدما لوّح رئيس السلطة الثانية نبيه بري عندما سئل عن إمكانية استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة الى وجود نية لمقاطعتهم جلسات مجلس الوزراء في خطوة تمهيدية الى الاستقالة في حال أصر رئيس الجمهورية على تجاهل توقيع الوزير الشيعي على مرسوم الضباط، وبهذه الحالة يكون الخاسر الأكبر في هذه المسألة، بعد العهد، هو رئيس الحكومة الذي وقّع الى جانب رئيس الجمهورية على المرسوم المذكور، متجاهلاً رد فعل الثنائي الشيعي على ذلك، ومادام ان معالجات الأزمة ما زالت تراوح مكانها، ولن تحرز أي تقدم يشي بحل قريب، طالما ان الرئيسين عون وبري متمسكان بموقفيهما ويرفضان التنازل ولو قيد انملة عنهما، فلم يبق أمام الحكومة أي مجال، لأن تستمر في سياسة النأي بالنفس، بل إن الأزمة الرئاسية ستطالها وتفتح الباب واسعاً أمام أزمة حكم، لا تنتهي الا بالمؤتمر التأسيسي الذي خطط له الثنائي الشيعي منذ بدء سريان اتفاق الطائف ولا يزال ينتظر الظروف المؤاتية لطرحه على الطاولة.