لم تُسقط إستقالة الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة التسوية التي قامت منذ ما يتخطّى السنة بقليل، أقلّه حتّى الساعة ومن منظار رئاسة الجمهورية. وما الحركة التي شهدتها الساعات القليلة التي أعقبت إعلان الإستقالة من الرياض سوى دليل واضح على الإرادة اللبنانية بتحصين التسوية وعدم التفريط بها، فكان أن تمهّل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالبتّ بها منتظرا عودة الرئيس الحريري الى لبنان، ليُبنى على الشيئ مقتضاه.
يتساءل مراقبون عمّا كان ليحصل لو كان في القصر الجمهوري غير شاغله، في معرض الإشارة الى حكمة الرئيس عون التي تجلّت في أكثر من إجراء لاحتواء الأزمة ريثما تتّضح الصورة، بدءا بالبيان الإعلامي الأوّل الصادر عن رئاسة الجمهورية وما تلاه من اجتماعات لاحتواء اي تداعيات أمنية أو اقتصادية محتملة وصولا إلى سلسلة المشاورات السياسية التي قادها على مدى يومين مع الرؤساء السابقين ومع شخصيات سياسية وازنة. وبحسب المراقبين أنفسهم، فإنّ القوى السياسية كافة تلقّفت مبادرة رئيس الجمهورية والذي لاقاه فيها الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، فصبّت المواقف السياسية بغالبيّتها باتجاه تعزيز مناخات الهدوء واللافت موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق وموقف النائب وليد جنبلاط كما قيادة التيار الوطني الحرّ التي عمّمت على محازبيها الهدوء وشدّدت على ضرورة التمسّك بالتسوية كما بادرت الى زيارة دار الإفتاء ولقاء المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان الذي عمل بدوره على التهدئة والدعوة إلى تحصين الاستقرار.
وسط هذه الأجواء، لا تخفي مصادر سياسية مُواكبة خشيتها من إنزلاق الأمور نحو الأسوأ جراء احتدام الصراع السعودي- الإيراني والقرار السعودي الواضح بالمواجهة، ما قد يقرع طبول الحرب، ولكن على هذه الطبول ألا تُقرع في لبنان، على حدّ قولها، فلا تتحوّل الأزمة الاقليمية الى أزمة وطنية تطيح بكلّ ما أُنجز وسينجز، بالإشارة الى استحقاق الإنتخابات النيابية الموعودة في ربيع العام المقبل. وإذ تتوقّف هذه المصادر بإيجابية عند الإرادة اللبنانية الجامعة بعدم الذهاب الى المواجهة لا بل على العكس بتوحيد الجهود حفاظا على التسوية والوحدة والاستقرار، تشير إلى أنّ اللبنانيين يجب أن يبقوا خارج هذا الصراع الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، لسبب بسيط وهو أنّهم لا يريدون حرباً على أرضهم.
وليس بعيدا من ترجمة الإرادة اللبنانية بالحفاظ على الاستقرار وضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، كانت لافتة دعوة قيادة التيار الوطني الحرّ يوم الأحد عبر رسائل نصيّة وعبر وسائل التواصل الإجتماعي، جميع اللبنانيين إلى أن يبادروا الى الاتصال بأقربائهم وأصدقائهم المنتشرين وحضّهم على التسجيل للانتخابات النيابية في مهلة تنتهي في العشرين من تشرين الثاني الجاري ليمارسوا حقّهم الديمقراطي الطبيعي في الاستحقاق الإنتخابي المقبل. ولا يُخفى أن كان ثمّة توافق رئاسي- سياسي واسع على تمديد هذه المهلة، لكنّ الإستقالة الحكومية لن تتيح تحقيق هذا التوجّه.
ووسط الترقّب الذي يسود لبنانياً لمسار التطوّرات وأبرزها موعد عودة الرئيس الحريري الى بيروت، يبقى مصير زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى السعودية والذي كان قد حدّد في الثالث عشر من الجاري، مدار متابعة يومية وقد تتغيّر ظروف هذه الزيارة أو توقيتها بحسب المستجدّات السياسية، مع أنّ الإتجاه حتّى الآن هو أن تبقى في موعدها وبالأجندة نفسها.