النقاش المعمَّق يدور منذ مدة، خلف مساعي مفاوضات الاتفاق على الهدنة، ووقف النار وتبادل الرهائن والمحتجزين، لدى حركة حماس والمعتقلين الفلسطينين في السجون الإسرائيلية، على وضعية قطاع غزّة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية الاجرامية، التي دمرت القطاع عن بكرة أبيه وقتلت وجرحت عشرات الالاف من الفلسطينيين، وهجرت اكثر من مليون ونصف فلسطيني من منازلهم وأماكن سكنهم، والصيغة التي ستعتمد لحكم وادارة القطاع، وإعادة النهوض فيه من جديد.
سقطت كل الصيغ والطروحات التي عرضها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، لإبقاء القطاع تحت سلطة الاحتلال بالكامل بعد الحرب مباشرة، او تسليمه لسلطة شكلية، تكون واجهة للاحتلال، مثل تسليمه لوجهاء العشائر الفلسطينيين، الذين لم يتقبلوا طرحه، بينما ووجهت دعوته الاخيرة لمشاركة دول عربية، ومنها الإمارات العربية المتحدة في إدارة مدنية للقطاع تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، برفض قاطع ولهجة اماراتية حادة، لان الجميع يعلم بأن عروضات نتنياهو مسمومة، وهي بمثابة تكريس للاحتلال وشرعنته، ولا يمكن القبول بها بتاتا.
يحاول نتنياهو من خلال طروحاته اللامعقولة، الالتفاف على أي محاولة لتسليم السلطة الفلسطينية تولي إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب، وقطع الطريق على كل الدعوات العربية والدولية الداعية لهذا الخيار، لمنع احياء أي أمل لدى الفلسطينين، باقامة الدولة الفلسطينية التي يرفض رفضا قاطعا إقامتها، بقرار اتخذته حكومته اليمينية المتطرفة، وصادق عليه الكنيسنت الاسرائيلي.
إزاء سقوط كل الطروحات والصيغ، لإبقاء سلطة الاحتلال على غزة، ومع علمه باستحالة بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع بعد انتهاء الحرب، لئلا يغرق مرة جديدة في وحول احرب استنزاف خاسرة سلفاُ، كما حصل معه سابقا، وتعذر قبول اي دول عربية واجنبية، المشاركة باي قوة خارجية لادارة القطاع من دون الفلسطينيين، او حتى استمرار حركة حماس بادارة القطاع بمفردها، اصبح الخيار الوحيد والمتاح هو تولي السلطة الفلسطينية، هذه المهمة الصعبة، كونها الممثل الشرعي للفلسطينيين، بالرغم من الخلافات القائمة بينها وبين حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية الموالية لايران.
بالطبع، لا يبدو نتنياهو مستعدا لقبول صيغة استلام السلطة الفلسطينية لحكم غزّة بعد انتهاء الحرب، وسيحاول المماطلة والالتفاف على هذه الصيغة بكل الاساليب الماكرة والملتوية التي يتميز بها، ولكنه سيكون مجبرا بالنهاية لقبول هذا الطرح، بعد صدور مواقف دولية داعمة، برغم معارضة اليمين المتطرف وحلفائه بالحكومة، ولاسيما ان معظم الدول رفضت قيام سلطة هجينة اومقنعة لحكم القطاع، اوالمشاركة بأية صيغة تكرس شرعية الاحتلال الإسرائيلي مستقبلا .
ويبقى الاهم، تجاوز الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتحقيق الحد الادنى من التلاقي والمصالحة بين الفلسطينين انفسهم والتفاهم على تركيبة السلطة، التي ستتولى حكم القطاع وادارته، وإعادة النهوض فيه من جديد، وهي مهمة، ثقيلة وصعبة، وبمثابة كرة نار حارقة ولكنها، ليست مستحيلة، ونجاحها رهن توافق الحد الأدنى بين الفلسطينيين انفسهم، ودعم العرب والمجتمع الدولي، ويبعث صورة تفاؤلية وايجابية لتحقيق الهدف الاساس وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.