من افتراءات التعصب التي كتبت أسطرها في أقبية الظلام ما يقال عن مظاهر الإحتفال والبهجة بالأعياد والمناسبات الدينية. ولعلي أكون قد ارتكبت في التو مخالفة عند مدعي التشدد والتزمت أن أضفت كلمة المناسبات الدينية إلى الأعياد، فيخرج من اعتاد على تتبع البدع ليستنكر ويستكثر على المسلمين إظهار البهجة في المناسبات الدينية ليقول إن الإسلام لا يعترف إلا بعيدي الفطر والأضحى. فالإحتفالات بالمناسبات الدينية الأخرى وما يرافقها من عادات وتقاليد تستدعي لديهم تقطيب الجباه وشحذ الحناجر وتستوجب عليهم الإنقضاض عليها لمحاربتها تحت شعار مكافحة البدع في الإعتقاد السليم وإعلام مروجيها بالخلود في نار الجحيم.
فمن مظاهر السرور والفرح وإقامة الإحتفالات في المناسبات الدينية ما درج المسلمون والمسيحيون على القيام به للإحتفال بمناسبات الميلاد والمولد ورأس السنة الميلادية والهجرية بطريقتين مختلفتين، فبميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية تزين الطرقات والمباني وتوضع شجرات الميلاد في البيوت وتعم الفرحة والسعادة في قلوب الناس وتستذكر قصة ميلاد المسيح عليه السلام وتقدم الهدايا والتهاني ويلعب الأطفال ويتسامر الشباب ويتبادل الكبار القصص والأخبار ومجريات الأحداث. وفي احتفالات المولد النبوي ورأس السنة الهجرية يقتصر القلة من المسلمين على حضور الإحتفالات التي تقام في بعض المساجد للإستماع إلى الكلمات الدينية وإلى بعض الأناشيد النبوية. هكذا بكل بساطة، نسي المسلمون كيف يحتفلون بذكرى مولد نبيهم وهجرته بعد أن كانت مظاهر احتفالات المولد والهجرة تعم البلاد وتخرج الفرق الصوفية إلى الشوارع والحارات وتزين المباني بالفوانيس والأعلام ويتعالى أصوات المنشدين بالتواشيح الدينية ويتجمع الشباب والأطفال حول تقاليد إشعال النار (الهبولة)، والى تبادل التهاني وتوزيع الحلويات.
كيف وصلنا إلى هذا القحط والجفاف الإحتفالي والإستعراضي في أعيادنا ومناسباتنا الدينية ؟ كيف سمعنا وسمحنا لأصوات التشدد والإنغلاق أن تملي علينا تراثنا وتقاليدنا وعاداتنا وتوهمنا بأن ما نقوم به ليس إلا بدعاً يحاربها الدين. إن مجتمعنا التعددي المنفتح يتطلب منا أن نكون دائماً على أهبة الإستعداد في مجال التنافس الحميد مع الطوائف الدينية الأخرى. ألم يقل نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إنكم قادمون على إخوانكم ، فأحسنوا لباسكم، و أصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس».
يقول المجددون الحذرون إنه لا بد أن ترافق إحتفالات المساجد بمناسبة المولد والهجرة بإقامة الندوات والمحاضرات. ويقول الآخرون بأنه لا بد من إضاءة الفوانيس وتسيير المواكب الكشفية. في حين أننا بحاجة في مجتمعاتنا المتعددة الطوائف والأديان - إضافة إلى الأمرين معاً - إلى رمزية تتناقلها الأجيال وتبعث في أطفالنا البهجة والشوق إلى ذكرى ولادة نبينا المجتبى وهجرته، وتكون مناسبة ننتظر قدومها في كل سنة تتربى عليها أجيالنا على محبة رسولنا الكريم وقراءة سيرته العطرة وفق أحدث تقنيات العلم الحديث، ومحطة أساسية متطورة ننقل فيها إلى العالم مقومات شخصية نبي السلام والمحبة والرحمة.
هذه الرمزية التي تفهمها المجتمعات المتعددة الطوائف والأديان قبل غيرها، ليست وثنية ولا جاهلية كما سيحلو للبعض تسميتها، وإنما هي حاجة تربوية ونفسية واجتماعية يؤكدها علماء التربية والنفس والإجتماع. ما الضير لو تزينت حاراتنا وبيوتنا في رأس السنة الهجرية والمولد برمزية النخلة العربية والغار الذي تغطي بابه خيوط العنكبوت والحمام الراقد على مدخله، وبتهاليل موسيقية «لطلع البدر علينا» وبقصة المولد المقروءة والمنشودة والمغناة والملحنة. أليس في هذه الرمزية ما يجلب الفرحة لأطفالنا وللأسر الإسلامية في كافة أنحاء العالم.
إن مشكلتنا ومشكلة المتشددين لدينا أنهم يبرعون في الهجوم والإنتقاد عند كل مظهر يدعون أنه خارج عن تعاليم الدين، ولكنهم يفشلون دائماً في إعطاء الحلول والبدائل. إن القحط والجفاف في الجانب التصوري والرمزي والإحتفالي الذي ألحقه متعصبو الإسلام بالإعياد والمناسبات الدينية وألحقوه بمظاهر الشرك جعل كثير من المسلمين ينسون ويهملون تماماً الإحتفال بذكرى ولادة نبيهم أو بذكرى رأس السنة الهجرية ويستبدلونه بتقليد إخواننا المسيحيين باحتفالاتهم ووضع أشجار الميلاد المجيد في بيوتهم.
دعونا أيها المتشددون ويا دعاة الإنغلاق والجفاف والتقوقع نحتفل بذكرى ولادة نبينا وهجرته كما يحلو لنا وكما يتوافق مع حضارة ورقي اسلامنا ومع وضعيتنا وخصوصيتنا كمجتمعات متعددة الأديان والطوائف ومنفتحة على اخواننا في الوطن ممن ينتمون الى الديانات الأخرى. وأما أنتم أيها المبدعون المسلمون في كل المجالات المتنوعة فأتحفونا بمشاريعكم وتصوراتكم حتى نعيد للأعياد والمناسبات الإسلامية بهجتها ورونقها وزخرفتها ورقيها واسمعونا اناشيدكم والحان موسيقاكم تغني فرحاً بمولد «أحمد» و ب «طلع البدر علينا من ثنيات الوداع».