بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيار 2020 12:02ص فنيش لـ «اللواء»: ما المطلوب من إثارة موضوع العقد؟

«سوناطراك».. رواية التوقيع مع العملاق الجزائري

حجم الخط
قضية بمنازل عديدة هي التي أُعلن فجأة عنها قبل مدة وجيزة في مسألة فساد شحنات الوقود غير المطابق أو المغشوش.

وبرغم تدخل القضاء عبر أكثر من إخبار للتحقيق في القضية، لم تتكشف الحقيقة خلف الملف الذي يطرح أسئلة حول تلاعب واحتيال تدفع الدولة ثمنه في ظل استيرادها الفيول على أنه عالي الجودة من شركة «سوناطراك»، وبينما تقاذف الأخصام السياسيون الشبهات، طال رذاذها وزير الطاقة والمياه الأسبق محمد فنيش الذي كان وقع العقد مع الشركة العام 2005.

وقد طُرحت تساؤلات حول ما اذا كان الأمر يتعلق بالعقود أو بالمناقصات؟ وحول حقيقة التلاعب الذي حصل؟ وفي الأصل، هل حصل فعلاً هذا التلاعب؟ وما إذا كانت الشائبة في العقد؟ وإذا جنت الدولة فوائد من عقود أبرمتها خصيصا من دولة الى دولة؟

حكومة السنيورة لمعالجة التلزيمات

يدعو فنيش في حديث مع «اللواء» أولا الى التفريق بين مسألتي العقد والمناقصة التي جرت ويعود بنا بالأحداث الى بداية الأمر بعد شهر فقط من وصوله الى وزارة الطاقة في العام 2005.

هي فصول من الذاكرة اللبنانية حول تغيّرات طرأت على مسار استيراد الطاقة من الخارج، وقد جرت خلال حكومة وحدة أفرزها الحلف الرباعي بعد انتخابات العام 2005 التي تلت انقسام البلاد بين معسكري الثامن والرابع عشر من آذار، ومع أنها استثنت «التيار الوطني الحر» الذي لم يشأ المشاركة، إلا أنها جمعت الأقطاب الكبار في البلاد مثل «حزب الله» وحركة «أمل» و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي».

انطلقت تلك الحكومة للعمل حينها وكان ملف النفط أحد أولويات وزارة الطاقة في ظل لغط دائم حول التلزيمات النفطية. فكان أن ترأس رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وفداً رفيع المستوى لزيارة دولة الكويت، حيث تمت لقاءات مع أمير الكويت ورئيس الوزراء ووزير الطاقة لتسفر عن الإتفاق على تزويد مؤسسة كهرباء لبنان بالمشتقات النفطية «غاز أويل» أو ما يعرف بـ«ديزل» عبر «شركة نفط الكويت».

شكل ذلك الاتفاق إطاراً رسميا بين دولة ودولة، علما أن «شركة نفط الكويت» هي شركة رسمية يرأس مجلس ادارتها وزير النفط الكويتي ويتشكل الأعضاء فيها من موظفين رسميين، وهو حال ليس غريباً عن آلية عمل الدول النفطية.

طلبت الحكومة الكويتية من الشركة تقديم تسهيلات الى لبنان الذي ستتزود معامله بكمية من الوقود تلبي أكثر من 70 في المئة من حاجته الكهربائية، على أن يقدم جدولا سنويا لتلك الحاجات ضمن روزنامة سنوية ومع تسهيلات للدفع لتسعة أشهر.

يستغرب فنيش أن لا يأخذ العقد الذي وقع مع الكويت جزءا من الاهتمام الحاصل اليوم، علماً أن كل الضوابط كانت متوافرة للتأكد من كمية الـ«ديزل» التي وصلت الى لبنان، كما للتأكد من المواصفات المنصوص عليها في العقد في ظل إشراف شركات عالمية تراقب الشحنات النفطية كماً ونوعاً.

وفي تلك المفاوضات، بدا إصرار الوفد اللبناني على الاستقلالية مثلاً عبر الاعتذار عن قبول عرض كويتي بدفع تكاليف تلك الشركات، وتم الاتفاق على تحمل الحكومة اللبنانية نصف تلك التكلفة لكي يكون للبنان رأي في هوية تلك الشركة وعملها التي ستتولى ملفاً حساساً.

وقد تم الاتفاق أيضا بأن الشحنات التي ستتحمل الكويت كلفة شحنها الى لبنان كما مسؤولة عن التأمين، ستُفحص فور وصولها الى لبنان عبر الشركات العالمية التي تتمتع بالكفاءة والنزاهة لكي يتم التأكد من نوعية الـ«ديزل» ومطابقته للمواصفات وتبيان ما اذا كان ثمة خلل بين الشهادة التي أرسلت عبرها والفحوصات التي خضعت لها، على أن يكون من صلاحية لبنان وقف أية شحنة لا تعجبه وطلب استبدالها بشحنة أخرى تحل محلها.

مع من تفاوضنا إذاً؟

والواقع أن النموذج الكويتي شكل تمهيداً لذلك الجزائري الذي خرجت أخيرا اتهامات لشركته «سوناطراك» بأنها غير رسمية، حتى ذهب البعض الى اعتبارها شركة وهمية وتحتال على لبنان!

يؤكد فنيش «جزائرية» الشركة التي قصدها لبنان للحصول على «الفيول»، علماً أنها كانت قد قدمت في السابق عرضاً للبنان، ويجب التذكير هنا أن الاعلان عن العقد تم في حضور السفير الجزائري ما يؤكد من جديد هوية الشركة كما أن وفدا من الحكومة اللبنانية زار الجزائر لهذه الغاية.

وبينما يسأل فنيش باستغراب «مع من تفاوضنا إذا كانت الشركة وهمية؟»، يتبين بوضوح في متابعة للموقع الرسمي للشركة على الإنترنت باللغة الفرنسية، أنها شركة عملاقة يُعرف عنها في إطار «المؤسسة الوطنية لإنتاج المحروقات» أُنشأت العام 1989 وتُعنى بالعقود التجارية والبواخر.

وبعد تقصٍ لسمعة الشركة في البلد الأم الجزائر، علمت «اللواء» أن المؤسسة ذات هيبة كبيرة في بلادها وهي من أساطين شركات النفط في إفريقيا حيث تحتل المركز الأول في القارة السمراء كما تشير مصادر جزائرية متابعة لها، تلفت أيضاً الى أن الجزائر تتحصل على 90 في المئة من دخلها القومي من الفيول والغاز عبر هذه الشركة.

والحال أن الإيجابية الجزائرية تتشابه مع تلك الكويتية مع استثناء في عملية التسهيلات التي تبلغ ستة أشهر، وهو أمر وافق عليه الجزائريون بعد إلحاح لبناني ونتيجة تقدير الجزائر للبنان.

ويؤكد فنيش بدوره مكامن استفادة لبنان، ويقدم دليلا على ذلك عبر تحقيق الدولة اللبنانية خلال ولايته وفراً قارب الـ40 مليون دولار.

ويجب الإشارة الى إيجابية مماثلة عبر تحقيق تحول في عملية استجرار المشتقات النفطية في لبنان، وذلك بعد أن كان هذا الملف مليئاً بانقطاع متكرر للكهرباء بسبب تأخر إدخال «الفيول» في إطار ما سمي حينها بالـ«باخرة باخرة» في موازاة شبهات شابت العملية.

ويلفت الوزير السابق النظر الى أن مختبرات ثلاثة كانت معنية بمعاينة «الفيول» الداخل الى لبنان وفق أعلى المعايير الدولية، وكان يجب أن تكون تقارير إثنتين منها إيجابية حول الشحنة قبل إدخالها إلى لبنان الذي يمكنه حسب العقد الموقع مع «سوناطراك» رفض أية شحنة في حال رفض شركتين لها بحجة عدم مطابقتها للمواصفات وصولاً الى نسف العقد.

ويشدد فنيش على أن العقد مع «سوناطراك» لم تشبه شائبة خلال ولايته، وهو ما توثقه دفاتر وزارة الطاقة، باستثناء مرة وحيدة على صعيد الكمية التي سُلمت الى لبنان، فكان أن عادت الشركة الجزائرية الى دفع الفارق.

ولعل الإنجاز هنا، سواء في العقد الكويتي أو الجزائري، يتمثل في عقد يتم من الدولتين ولبنان الذي يشرف على العقد بدلا من شركة كهرباء لبنان غير القادرة على تمويل عقودها والغارقة في الهدر والعجز.

ويرد فنيش على انتقادات بلغت حد الاتهامات لناحية سرية الاتفاقية مع «سوناطراك»، عبر التفريق بين سريّة تريد عبرها الشركة الجزائرية حماية اتفاقياتها مع الآخرين لناحية التسهيلات المعطاة الى لبنان حماية لها، بينما العقد في لبنان لم يكن خافياً على الحكومة ووزرائها ومعهم حاكم مصرف لبنان ومديرية الجمارك وممثل عن رئاسة الجمهورية.

تساؤلات حول مطابقة «الفيول»

على أن ثمة ما هو هام التوقف عنده يتعلق بعدم مطابقة شحنات من الفيول مع شهادات البلد المرسل.

فقد انشأ لبنان في السنوات الاخيرة معامل جديدة بدا مع عدم عملية المطابقة أنها تحتاج إلى أنواع مختلفة من «الفيول»، وهي معامل لم تكن قائمة في الوقت الذي تولى فيه فنيش المسؤولية وتعمل على أساس ما يسمى بـ«Reciprocating engine»، أي ما يعرف بالمحرك الحديث والترددي أو محرك المكبس.

هنا، ثمة علامات استفهام تقع على عاتق الوزراء الذين تعاقبوا على المسؤولية الممتدة منذ خروج فنيش من الوزارة والذين وقعوا عقود التمديد المستمر للشركة، علماً أن التجديد تلقائي كل ثلاث سنوات، وفي إمكان الحكومة اللبنانية حسب تلك العقود التفاوض كل سنة قبل 90 يوماً من نهايتها ومن حقها وضع خاتمة للعقد.

ومن بين وزراء الطاقة كلهم، لم يطلب أحد مثل هذا الإلغاء، وقد تم الحديث يوماً في فترة حكومة الرئيس تمام سلام، عن إجراء مناقصة جديدة تعطي وفراً أكبر للدولة، لكن الأمر رُفض في مجلس الوزراء وكان فنيش من بين هؤلاء الرافضين خشية العودة بالأمور الى الحالة التي سبقت.

واليوم، لا مانع من الذهاب إلى مناقصة جديدة حول حاجات إضافية ما يمكن من خلاله تغيير العقد لكن يجب الاسراع قبل شهر أيلول المقبل.

في هذه اللحظة، وبعد ضجة أثارها ملف الفيول، يسأل فنيش عن «المطلوب من إثارة الموضوع؟»، هو لا يود استباق التحقيقات وقد أدلى بشهادته من دون الاحتماء بأية حصانة قانونية أو سياسية، «فالقضاء هو من يحاسب ولا إفادة من المناكفات السياسية».

قد يكون الخطأ وراء ما حصل مُدبراً أو بشرياً أو تقنياً في الرقابة، لكن ذلك لا يلغي تساؤلات حول إثارة الملف والتصويب على موضوع العقد بدلاً من طرح السؤال حول آلية تطبيق هذا العقد، كما قد يكون الأمر يتعلق بشركات مُتضررة وجدت فرصتها اليوم. ويُعلق فنيش على الأمر بالقول إن «البعض قد يستغل إشاعة أو خبرية ما ليلقي تهمة وهو ما ينم عن جهل في الأمر».

وعلى صعيد الشركة الجزائرية التي قد تكون عملت أيضا عبر شركات أصغر لكنها تابعة للشركة الأم، سرى حديث للتصويب عليها قائم على أنها أنشأت فروعا في اماكن ذات ملاذات ضرائبية، وهو الأمر الذي لا يعني لبنان حسب فنيش.

كما توجهت اتهامات عن تدخل شركات معينة لكي تأخذ الفيول من «سوناطراك» لبيعه للبنان، وهو ما لا يعني لبنان أيضا كون الاهتمام ينصب أصلاً على الشروط التي تم الاتفاق عليها مع الشركة على صعيد المواصفات والسعر.

اليوم، يبدي فنيش فخره بما تحقق في ذلك الحين في الوزارة وبـ«النقلة» التي أُنجزت، وحسبه أنه والجهة التي يمثلها في الحكومة ليسا من تُوجه اليهما الشبهات، وهو يختم مشدداً على دعوة «القضاء إلى ملاحقة هذا الملف إلى نهايته».