بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 حزيران 2023 12:00ص في ذكرى الرشيد الشهيد

حجم الخط
كتبت منذ سنوات: لا يمكن أن تمرّ ذكرى استشهاد الرئيس رشيد كرامي دون أن يتوقف كل من عرفه أمام ذكراه، بإجلال وخشوع، ويسترجع في ذاكرته التي هي جزء من ذاكرة الوطن، شريطاً لمسيرة سياسية ناشطة، وناصعة، تتخللها محطات، في كل منها موقف شجاع وحكيم في آنٍ. لا سيما أوان وأيام المواقف المترددة والمتخاذلة. أو تلك التي تفتقر الى أدنى درجات الحكمة، والتي إتصف بها بعض الآخرين.
تعرّفت بالشهيد الرشيد عشية حرب السنتين. كان رئيساً للحكومة، وكنت مسؤولاً عن قسم الإعلام في الجيش. وتوثّقت علاقتي به خلال حرب السنتين وكنت ضابطاً للارتباط بين الفريقين المتناحرين، أحاول مع رفاقي تخفيف الأضرار، وإنقاذ الأرواح البريئة، المخطوفة من سكاكين الجزارين.
وعندما انتقلت لترؤس مكتب الارتباط في الشمال في أيلول 1975... شعرت خلال ترددي الى بيت الرئيس الرشيد في «كرم القلة» ان، دار عبد الحميد كرامي وأنجاله الرئيس عمر أفندي ومعن أفندي، هي دار للوطن ولكل اللبنانيين، وكم من نار أوقفت وأرواح أُنقذت في هذه الدار، أو من خلالها. وقبل كل شيء شعرت ورفاقي اننا في دارنا وبين أهلنا... هكذا كانت توجيهات الرشيد، وحرصه وإصراره على إنماء هذا الشعور.
انتهت المرحلة الأولى من الحرب الأهلية. حرب الآخرين على أرض لبنان، واستراح الرئيس الشهيد من أعباء الحكم لستة سنوات ونيّف، ولم تنقطع خلالها زياراتي له ولقائاتي به، والاستمتاع الى آرائه النيّرة.
في أكتوبر 1984 انتخب الرئيس الحسيني رئيساً لمجلس النواب وكان التعاون بينه وبين الرئيس الرشيد مثالياً. وقد اتفقا معاً عام 1986 على إلغاء اتفاق 17 أيار واتفاق القاهرة في جلسة واحدة لمجلس النواب دون استشارة القيادة السورية، التي كان مرجحاً ان لا توافق على إلغاء اتفاق القاهرة «لأن هذا شأن إقليمي». كما صرح أحد كبار مسؤوليها قبل ذلك بأيام.
لقد كان موقفاً شجاعاً من الرئيسين معاً بلا ريب وكان جوابهما معاً للاخوة السوريين «لم نشأ احراجكم».
قبل استشهاده بأشهر كان هنالك مقاطعة سياسية بينه وبين رئيس الجمهورية أمين الجميل إلّا انه لم يشأ يوماً أن تتوقف عجله سير الدولة.
ويوم استشهاده بادر رئيس مجلس النواب حسين الحسيني للاتصال برئيس الجمهورية متمنياً عليه تكليف الرئيس الدكتور سليم الحص (الوزير في حينه) برئاسة الحكومة... وهذا ما حصل.
وأذكر وللتاريخ انه ويوم الدفن في طرابلس أوفد الاخوة السوريون نائب الرئيس عبد الحليم خدام لحضور المأتم. حيث بادر الحضور وخاصة الشخصيات الإسلامية السنية وعلى رأسها المفتي الشهيد حسن خالد، والرئيسين تقي الدين الصلح، وسليم الحص، مؤنّباً على السعي لتكليف الرئيس الحص أو القبول بذلك. وكان التأنيب قاسياً وخارجاً عن حدود اللياقة. يومها تصدّى له الرئيس حسين الحسيني وبحّده متحمّلاً كافة المسؤولية ولوحده مؤكداً انه شأن لبناني وضروري ولملء الفراغ ولا ضرورة لاستشارة أحد.
لقد ترك غياب الرشيد فراغاً كبيراً على الساحة السياسية اللبنانية. فكثيرون هم رجال السياسة. أما رجال الدولة فهم في ما ندر.
لقد دفع رشيد كرامي حياته ثمن دفاعه عن مبادئه، وعن قيمه، وعن ما تربّى عليه. دفع دمائه ثمناً لمصالحة وطنية كان يسعى إليها، وكان على قاب قوسين أو أدنى من تحقيقها.
رحم الله الرئيس الشهيد وتبَّت يد الجناة.
وهنا أستذكر قصيدة الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في رثاء والد الشهيد المغفور له عبد الحميد كرامي حين قال:
باقٍ وأعمار الطغاة قُصارُ...