بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 أيلول 2019 06:05ص قراءة متأنية في مشهدية «مؤتمر إنماء بيروت»

لماذا لا تساعد البلدية العائلات المعوزة في التعليم والاستشفاء والحالات الاجتماعية الطارئة؟!

د. خياط وإلى يساره: ندى السردوك، المهندس علي نور الدين عساف وعبد الرحمن يموت خلال «مؤتمر إنماء بيروت» (تصوير: جمال الشمعة) د. خياط وإلى يساره: ندى السردوك، المهندس علي نور الدين عساف وعبد الرحمن يموت خلال «مؤتمر إنماء بيروت» (تصوير: جمال الشمعة)
حجم الخط
لقد كان  لـ»مؤتمر إنماء بيروت»، الذي عقد اجتماعاً استثنائياً يوم الاثنين الماضي في أوتيل الريڤييرا للتداول ومناقشة مشروع تطوير الواجهة البحرية، الذي تقدمت به بلدية بيروت، مشهدية لا بد من قراءتها بصورة متأنية، بعيداً عن الانفعالات المصطنعة من قِبل بعض الحضور، الذين حلّوا مكان حضور، ومشاركة رئيس المجلس البلدي المهندس جمال عيتاني، الذي كان باستطاعته التوضيح والإقرار بهواجس أبناء العاصمة، وبملاحظاتهم العلمية والعملية على المشروع المقترح سواء بإدخال التعديلات المنطقية والواقعية عليه وإقناعهم بما هو مطروح.

وهذه المشهدية يمكن إدراجها على النحو الآتي: 

- بعيداً عن الانحياز والمواقف والاصطفافات السياسية التي أكد «مؤتمر إنماء بيروت» على عدم مقاربتها كلياً خلال الاجتماع، هدف المؤتمر إلى إجراء نقاش جدي حول مشروع التطوير الذي جرى الترويج له بخجل والسعي الى محاولة تنفيذه على عجل من قِبل بلدية بيروت في سياق عدم رغبتها فتح باب النقاش حوله على نطاق واسع ومحاولة إبراز الجوانب الجمالية السطحية له على وسائل الايضاح المختلفة خلال اللقاءات المحدودة والخجولة التي دعت اليها البلدية في هذا الشأن، دون الأخذ بالاعتبار أهمية ذاكرة المكان بالنسبة لأبناء بيروت  اجتماعياً وتاريخياً على هذا الحيز من الجغرافي من العاصمة. 

- تبيّن من خلال مداخلات بعض أعضاء المجلس البلدي في المؤتمر ان البلدية لم تقم بوضع مخطط توجيهي عام متكامل على طول الواجهة البحرية لبيروت، وهو من بديهيات عملية التخطيط المديني، الذي على أثره يمكن إجراء الدراسات والمخطّطات الجزئية للمخطّط العام، ووضع المخطّطات التنفيذية له بعد تحديد وظيفة و استخدامات الأرض و المساحات عليها.

- تبيّن وفق المداخلات التي جرت أن هذا المشروع المقترح قد تم رفضه من قبل وزارة الداخلية منذ ثلاث سنوات، نظراً لغياب جدواه الاقتصادي والاجتماعي قياسا الى كلفته الذي قدّرها رئيس المجلس البلدي خلال الاجتماعات التي عُقِدَتْ معه مؤخّرا بـ25 مليون دولار اميركي، والتي لم تعتبرها غالبية أبناء بيروت من سلم أولويات حاجات العاصمة التنموية.

- تم نقض كلفة المشروع من قِبل أحد أعضاء المجلس البلدي الذين شاركوا في المؤتمر، والتي سبق لرئيس المجلس البلدي أن قدّرها آنفاً،  بقوله إن القيمة الفعلية لا يمكن تحديدها إلا بعد طرح المناقصة على المشروع، لكن السؤال الذي يطرح كيف يمكن طرح هكذا مناقصة قبل موجبات تحديد الجدوى الاقتصادية لمشروع بهذا الحجم؟

- إن التحفّظ الاساسي لم يكن على مبدأ المشروع التطويري ككل على كامل الواجهة البحرية لبيروت بعد وضع المخطّط التوجيهي العام بل تمحور على تجزئته دون الأخذ بالاعتبار أنّه جزء من كل، خاصة في ما يعود الى ردم البحر مقابل جامع عين المريسة باتجاه 40 مترا صوب البحر، وبعرض 110 أمتار، وبعمق 15 مترا على ان تقام فوق هذه الردميات مصطبة متدرّجة مع ادراج على جانبيها، والذي تبين ان هذه المصطبة ستتعرّض لاجتياح الامواج وانسيابها على الشوارع التي ستلامس الجامع والأبنية الموازية له وذلك استنادا الى معطيات علمية تم الحصول عليها من وزارة الأشغال العامة المسؤولة و المعنية وحدها حصرا بالشاطئ.

- التحفّظ الثاني كان توسعة الرصيف باتجاه البحر فوق الصخور الشاطئية المتبقية في المنطقة دون الأخذ بالاعتبار ارتفاع مستوى البحر التدريجي للعشرين سنة القادمة نتيجة الاحتباس الحراري العالمي الذي زادت وتيرته خلال عشرين سنة مضت، الامر الذي سيجعل من درابزين الكورنيش بمثابة كاسر للأمواج ويعرّضه مع بلاط الرصيف للأضرار الكبير سنويا ما سيُعيق حركة الرواد عليه خلافا لما هو عليه اليوم .

- تبيّن من خلال المستندات التي قدمت في المؤتمر ان التنظيم المدني لم يعط موافقة صريحة وواضحة على اشغال توسعة الرصيف لجهة الشاطئ البحري وإجراء الردميات عليه. 

- أعلن احد أعضاء المجلس البلدي ان ميزانية بلدية بيروت أقفلت بتاريخ 31/12/2018 على فائض بقيمة 700 مليون دولار، وهي مبالغ يدفعها ابناء العاصمة الذين لهم الحق في المساءلة والمراقبة حول طريقة الإنفاق ووجهته وحقهم الشرعي المطالبة بترشيده وتحديد أولوياته بما يتوافق وحاجات المواطنين البيارتة الذين يئنون من ضغوط الحياة الصعبة في ظل شبه انهيار اقتصادي يتحدث عنه اصحاب الشأن في الدولة. 

- انطلاقا من وجود هذه الكتلة النقدية المهمة لدى بلدية بيروت وأمام هذا الوضع الاجتماعي المتردي و الانكماش الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية الذي يعاني منه المجتمع البيروتي بشكل عام، نتساءل:

1/ لماذا لم تضع البلدية رؤية واضحة للنهوض اجتماعياً بالعاصمة من خلال استحداث مستوصفات صحية  جديدة في جميع المناطق من بيروت تليق خدماتها بأهلها وبإعادة إنشاء مختبر بيروت المركزي لسلامة الغذاء والبيئة للوقاية المسبقة الذي هو خير من الف علاج من الأمراض المعدية وحالات التلوث على أنواعها في بيئة العاصمة.

2/ لماذا لا يتم المبادرة الى تقديم المساعدة للعائلات المعوزة من خلال تأمين بطاقة غذائية استهلاكية شهرية لهم وذلك بعد إجراء عملية مسح اجتماعي شامل لهم في نطاق بيروت الادارية ووضع معايير محددة للمستفيدين منها ؟ 

3/ مع انطلاق العام الدراسي الحالي لماذا لا تبادر البلدية ايضا بتقديم بطاقة دعم مدرسي تسمح بموجبها لابناء العائلات المعوزة الحصول على الكتب واللوازم المكتبية الضرورية لهم؟.

إنّها قراءة سريعة ومتأنية علّها تُعيد إنتاج نقاش جدي ومسؤول بين القيّمين على مشروع تطوير الواجهة البحرية لبيروت وفاعليات وخبراء وأخصائيي أبناء العائلات البيروتية تجنّباً للدخول في متاهات سياسية متخلّفة غير حميدة للجميع وتسيء الى الاجتماع البيروتي ولا تخدمه للنهوض من كبوته.



* أستاذ جامعي - دكتوراه في جغرافية التنمية وتطوير الأراضي 

** عضو الجمعية الجغرافية اللبنانية