بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الثاني 2019 12:00ص لا حل سوى المواطنة!

حجم الخط
صار كلّ شخص في لبنان خبيراً سياسياً يتحدّث في الشأن العام، ويقارب المشكلات الأمنية والخصومات السياسية، ويطلق الآراء التحليلية، علماً بأنّه إذا سُئِل الناس عن الشوائب والمشاكل في شؤون الحياة والمعيشة، فهم سيردّون أسبابها باستخدام كلمة واحدة هي «السياسة»!، ورغم أنّ الصعوبات المعيشية لا تميّز بين اللبنانيين، إلا أنّ الكثير منهم يبقون على هامش المتفرّجين، الراضخين والمذعنين لغلبة الولاء للزعيم والطائفة.
وإذا كانت الطبقة السياسية تتحمّل مسؤولية المآلات الخبيثة بسبب ممارساتها الخرقاء كتعطيل المؤسسات الدستورية، وتفاقم المشاكل المعيشية في البلد، وتحوّل لبنان مطيّة لكل دول العالم، واغتيال الوفاق الوطني.. إلا أنّ ذلك لا يعفي اللبنانيين من مسؤوليتهم الوطنية في المشاركة الفعلية بالشأن العام. لقد انطوت السياسة اللبنانية على الكثير من التلاعب بإرادات الناس، وإيهامهم بشعاراتٍ رنّانة زائفة، وإيقاعهم في شباك أكاذيبها وصراعاتها المذهبية، وكان لزاماً على اللبنانيين أنْ ينبذوا الزبائنية والاستزلام، ويرفضوا الاستغلال والوعود الفارغة ويطالبوا بالحقوق التي منحهم إياها الدستور وكافة المواثيق الدولية والقوانين المحلية، خصوصاً تلك الحقوق الأساسية المتعلّقة بحرية المعتقد والتعبير والمساواة والعدالة القضائية والاجتماعية، والتعلّم والطبابة، والحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية.
وكان واجباً عليهم أيضاً مساءلة نوّابهم والإضاءة على التجاوزات أينما حلّت، وممارسة مواطنيّتهم إلى أقصى الحدود، وفي الوقت نفسه احترام القوانين المرعية الإجراء. فلا تنتظم الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، إلا عندما يمارس الفرد مفهوم «المواطنة»، الذي يحمل مضموناً سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، بعيداً عن الروابط الدنيا من طائفية وقبلية ومناطقية. ذلك أنّ المواطنة تؤدي إلى نشأة إرادة شعبية قادرة على فرض ما تراه من حقوقها الأساسية على الطبقة الحاكمة، من خلال الشارع أو عبر نخبة فكرية وسياسية قادرة على تأكيد هذه الحقوق، وتحويلها إلى حق أصيل لا يُمس تحت أي ظرف. ويجب أن تُحفظ حقوق وواجبات المواطنة في الدستور، وفي القوانين المرعية الإجراء والتشريعات المختلفة، ويلزم أنْ تُدرّس للشباب ليتعرّفوا عليها، وينشأوا على تقديرها واحترامها وحفظها وصيانتها، ولأجل المطالبة بها وممارستها وأدائها.
من هنا تأتي أهمية أن يُبنى الفكر السياسي لدى الشباب اللبناني على أساس مفهوم المواطنة كوسيلة لإعادة الإدماج السياسي، وإيجاد التوازن المناسب بين هوية وطنية جامعة وبين تعدّدية دينية واجتماعية وثقافية وسياسية. وهي ترتكز في صميمها على قيام دولة القانون والمؤسّسات، التي تأخذ في الحسبان حقوق المواطنين وواجباتهم، وأحلامهم وآمالهم، وآلامهم وهواجسهم، ما يحثهم على تمتين ولائهم للبنان وطنهم النهائي، ويدفعهم إلى المشاركة الفعّالة في نهوضه وعمرانه. وقد أشار الشهيد الرئيس رفيق الحريري إلى هذا الأمر من خلال خطابه في الجامعة الأميركية عام 1992 عندما قال: «لبنان لا يقوم، ولا يُبنى، ولا يستقيم أمره إلا بمشاركة أبنائه، كل أبنائه، في مسيرة الوفاق الوطني».