4 نيسان 2022 09:09ص لاجئ عن لاجئ يفرق

حجم الخط

الحياةُ أولويات. على رأس القائمة تأتي حمايةُ النفس من الأذى ومن الموت. وحين، فجأة، تنشبُ حربٌ في بقعة ما من العالم، يترك سكانها ما لديهم من ممتلكات، ويفرّون هاربين بأرواحهم، غير ملتفتين للوراء، ولا هَمَّ لهم إلاّ النجاة بالنفوس. الالتفاتُ إلى الوراء، كما تعلّم اللاجئون، من تجارب سابقة، يأتي لاحقاً، ومباشرة لدى وصول الهاربين سالمين إلى بقعة آمنة، تبعد عنهم شبح الموت، وتؤهلهم لوضعية حياتية مختلفة، ومن خلالها، يصبحون نازحين أو لاجئين. تتوقف التسمية التي تمنح لهم، على موقع مكان الملجأ الآمن: داخل حدود بلادهم أو خارجها.

تلك اللحظاتُ، يجد النازحون واللاجئون أنفسهم وقد تملكتهم رغبة العودة، على أمل استئناف حيواتهم في الأماكن التي غادروها مضطرين، وتجمّدت صورها في ذاكراتهم منذ لحظة الفرار. الحنينُ يغلبهم، ويسيطر على أذهانهم وقلوبهم، وينسيهم حقائق كثيرة. من ضمنها، على سبيل المثال، أن آليات الحياة، على عكس آليات ذاكراتهم، لا تعرف التوقف. وأن تجمّد الصور في ذاكراتهم لا يعني تجمّد إيقاع الحياة في البقاع التي تركوها. وأن احتمال عودتهم إلى ما تركوا ليس في حكم المؤكد، بل قابل للنقاش، والأخذ والرد. وقد لا يحدث أبداً. الفلسطينيون في المنافي خير مثال.

أربعة أحداث هزّت العالم منذ حلول الألفية الثالثة. الهزّة الأولى كانت في أميركا، ممثلة في أحداث شهر سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية، وتداعياتها التالية في أفغانستان والعراق. تلاها هزّة الأزمة المالية العالمية عام 2008. وأعقب ذلك، هزّة حلول الفيروس الوبائي «كوفيد»، قادماً من ووهان بالصين. والهزّة الأخيرة تمثلت في الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا. ما صار يعرف بثورات الربيع العربي عام 2010، لا تدخل ضمن هذا الإطار، لاقتصارها على بلدان معدودة في جهة جغرافية واحدة. ولكن تداعياتها، في ذات الوقت، تسببت في واحدة من أكبر موجات النزوح والهجرة في العالم، بعد الحرب العالمية الثانية.

الحربُ الأوكرانية أكملت شهرها الأول، ولم تنته بعد. إلا أن تطوراتها السريعة وما نجم عنها، حتى الآن، من تداعيات، سياسياً واقتصادياً، تنبئ بأن العالم الذي عرفناه، منذ أكثر من نصف قرن، قد وصل نقطة نهائية. وأن ما سيأتي بعده، ما زالت ملامحه تتشكل في بطن الغيب. لكننا يقيناً، نعرفُ، على الأقل، من خلال التقارير الإعلامية وإحصائيات المنظمات الدولية المتخصصة أعداد النازحين والمشرّدين واللاجئين الأوكرانيين داخل أوكرانيا وخارجها. آخر الإحصائيات صدرت في الأسبوع الماضي، عن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أن 6.5 مليون أوكراني يعيشون نازحين في بلادهم، منذ بداية الحرب. وأن 3.5 مليون أوكراني لاجئون في بلدان مجاورة. 10 ملايين أوكراني، بين نازح ولاجئ، في شهر واحد. وهو رقم لا يعادله إلا أعداد السوريين -من النازحين واللاجئين- لكن بعد 10 سنوات من الحرب في سوريا، وليس بعد شهر واحد. عدد النازحين السوريين وصل 6.6 مليون نازح داخل بلادهم، مقارنة بعدد 5.3 مليون نازح في الكاميرون، و4.6 مليون نازح في أفغانستان.

ومن المعروف أن اللاجئين في مختلف بلدان العالم وإن تشابهوا في مناحٍ كثيرة، يختلفون في أوضاعهم المعيشية. الاختلافُ ناجم عن تباين الظروف السياسية المحيطة. وربما لذلك كانت جملة الكاتب الفلسطيني المرحوم غسان كنفاني «خيمة عن خيمة تفرق». أفضل وصف للحالة.

هناك نازحون ولاجئون يتخلى عنهم حسن الحظ، لأنه لا حكومة ترعاهم في الداخل كنازحين ومشردين. وفي نفس الوقت هم غير مرغوبين، كلاجئين، في بلدان أخرى. وآخرون أفضل حظاً، تفتح أمامهم الأبواب في الداخل والخارج، ويجدون كل اهتمام سواء من حكوماتهم في بلدانهم، أو من المجتمع الدولي. النازحون واللاجئون الأوكرانيون أفضل مثال على ذلك. فمن بقوا منهم في الداخل، يجدون العون والتشجيع من حكومتهم، ومن المنظمات الإنسانية ذات الصلة. ومن انتقلوا إلى بلدان أخرى، وجدوا كل ترحيب، ولم يناموا في العراء. أسباب عديدة وراء ذلك لا مجال للخوض فيها. وعلى سبيل المثال، وصول اللاجئين الأوكرانيين مؤخراً إلى بريطانيا استحوذ على اهتمام الحكومة والمواطنين والمنظمات الأهلية ذات الصلة، وصاروا، بين عشية وضحاها، في رأس قائمة الأولويات. هذا الاهتمام جاء على حساب لاجئين آخرين من أفغانستان، وصلوا بريطانيا عقب عودة طالبان إلى الحكم. وأيضاً على حساب آلاف غيرهم من اللاجئين الذين وصلوا إلى بريطانيا عبر القنال الإنجليزي على قوارب الموت، أو الذين جاءوها هاربين من هونغ كونغ.

المصدر: الشرق الأوسط