بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الأول 2022 12:00ص لبنان بين القمة الأميركية - الفرنسية والقمة العربية - الصينية وقمة عمان الإقليمية

حجم الخط
ربما وجب التأنّي في مقاربة القمّة الأميركية - الفرنسية والتي جمعت الرئيسان جو بايدن وإيمانويل ماكرون. الإحتفائية التي خصّ بها بايدن ضيفه الفرنسي هدفت الى فتح صفحة جديدة بين البلدين، بعد الجرح العميق الذي أصاب فرنسا نتيجة انتزاع واشنطن لصفقة الغوّاصات النووية الأوسترالية منها. لكنّ الذي فرض المبالغة الإحتفائية بماكرون هو سعي بايدن لرصّ صفوف أوروبا في مواجهة طموح وجموح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ما يعنينا لبنانياً، تبادل الرئيسان الأميركي والفرنسي التهاني بنجاح ترسيم الحدود البحرية بين «إسرائيل» ولبنان الذي كان محل توافق بينهما على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة تنفّذ الإصلاحات الضرورية المطلوبة من صندوق النقد الدولي قبل بلوغ الانهيار مداه بتفكيك الدولة كما عبّرت الخارجية الأميركية.
وقد بدا لافتاً أن الخطاب الثنائي الأميركي - الفرنسي كان متمايزاً عن البيان الثلاثي لوزراء خارجية فرنسا والسعودية والولايات المتحدة عقب لقائهم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول الماضي، فلم يشر مؤتمر ماكرون بايدن لا تصريحاً ولا تلميحاً الى اتفاق الطائف، ولا الى القرارات 1559 و1680 و1701 الذين يشكلون اللازمة والثابتة الدائمة في سياسة المملكة العربية السعودية تجاه لبنان، والذين تمّ تجاهلهم سهواً أو قصداً في بيان القمة البايدنية - الماكرونية. وهو التجاهل الذي ربّما استشعرته السعودية خلال وبعد اتفاق الترسيم، فكان «منتدى الطائف» الذي نظمته السعودية في بيروت بمثابة خطّ أحمر كبير يشكّل تجاهله «تهديداً للسلم الأهلي والوحدة الوطنية»، وهذا ما يرجح أن يكون محل تصحيح وتصويب في القمة العربية - الصينية التي تحتضنها السعودية بعد أيام.
الاحتفائية بزيارة ماكرون بلغت حدّ إظهار قيمة أطباق المأدبة التكريمية التي أقامها بايدن لضيفه الفرنسي، كما وعكست نوعاً من التفويض أو توسيع هامش التحرك الفرنسي في بعض ملفات المنطقة ومنها لبنان. فدعوة الرئيسان للقيادات اللبنانية للمسارعة الى انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، تشمل بشكل خاص موافقة بايدنية على الحوارات الفرنسية المعلومة مع حزب الله الذي تصنّفه واشنطن «تنظيماً إرهابياً» وتواصل إدراج شركات وكوادر محسوبة عليه على لوائح الارهاب.
إذاً، يعود ماكرون مسلّحاً بتفويض أميركي لبعض ملفات المنطقة، إنّه التفويض الذي ستفكّ شيفرته خلال «القمة الإقليمية الثانية» التي ستستضيفها العاصمة الأردنية عمّان في عشرينات الشهر الجاري، والتي انعقدت دورتها الأولى في بغداد وحظي فيها ماكرون بعقد ملياري لشركة توتال بموافقة إيرانية، وتردّد يومها أن هذا العقد جزء من التعويض الأميركي على صفقة الغوّاصات الأوسترالية. لكن من رحم تلك القمّة التي تغوّل فيها وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان بروتوكولياً على قادة القمة، ولدت حكومة نجيب ميقاتي بتوافق بين ماكرون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي، والتي سبق وأسميناها حكومة «الماكروسية».
ويبدو أن قمة عمّان التي ستضم العراق ومصر وإيران والسعودية.. ويرجّح أن يحضرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ستستكمل قمة بغداد من جهة، وربما تشكّل اختراقاً إيجابياً في العلاقات السعودية - الإيرانية يسمح بتدوير زوايا بعض الملفات العالقة ومنها الملف اللبناني وإخراجه من حالة الإستعصاء والإنسداد السياسي والدستوري عبر الدفع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية التي يتقدم رأس السبق فيها الوزير سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون. وقد وشت مصادر متابعة للقمة الأميركية - الفرنسية بتفضيل قائد الجيش، وعدم الممانعة بوصول فرنجية.
إنهما التفضيل وعدم الممانعة اللذين سيوّسعان هامش تحرك ماكرون مدعوماً من الولايات المتحدة على خط إيران حزب الله والوقوف عند هواجسهم فضلاً عن تقديمه الهدايا السياسية الثمينة لهم جرّاء سماحهم بإنجاز ملف الترسيم. إنّها الهدايا السياسية التي يجيدها ماكرون وقد سجّل السابقة الأولى فيها عبر حثّه مصطفى أديب ومن بعده سعد الحريري قبل مغادرته المشهد على القبول بتخصيص «الثنائي الشيعي» بوزارة المالية.
بهذا المعنى، يرجّح أن تكون قمّة عمّان الإقليمية مفصلية وحاسمة تجاه الوضع اللبناني الذي فشل مجلسه النيابي بعد ثماني جلسات من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويرجح أن القوى السياسية والكتل الوازنة التي أسقط بيدها تنتظر التسوية التي سيلتقي أضلاعها الإقليميين والدوليين في عمّان التي سيغادرها ماكرون الى لبنان للقاء قواته في اليونيفل عشية عيد الميلاد، ولتوجيه رسالة الى المسؤولين اللبنانيين الذين اندلع سجال متوتر بينهم على خلفية دعوة رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي الى عقد جلسة لمجلس الوزراء يجد فيها التيار الوطني الحر تطاولاً على الدستور الذي تحوّل الى ألعوبة بين يديه إبان «العهد القوي الراحل».
وبهذا المعنى أيضاً يرجح أن التسوية الجديدة التي تلوح في الأفق، ستفضي الى التسليم بمقاربة حزب الله بالتوافق على رئيس جديد يملأ اسمه الأوراق البيضاء معزّزة بغالبية نيابية. لكن هل أزمة لبنان هي أزمة رئاسة الجمهورية، أم أنّ الأزمة تطال أيضاً رئاسة الحكومة، في ظل عدم شمول الأزمة ببركتها رئاسة مجلس النواب؟!
إذا كان العهد السوري في لبنان تميّز بالتمديد والتجديد لعدة رؤساء جمهورية، فإن عهد «وريثه حزب الله» تميّز بتمديد الشغور بالرئاسة حتى إشغال موقعها برئيس مقاوم تارة، ورئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها، طوراً. إنّها المعادلة التي تفرضها نسبة توازن القوى في الميدان وليس فقط أوراق النواب في البرلمان.
أزمة رئاسة الجمهورية تمديداً وشغوراً، مشابهة لأزمة رئاسة الحكومة تكليفاً وتأليفاً واستقالةً. وحدها رئاسة المجلس النيابي المحصّنة بحصرية ميثاقية التمثيل الشيعي وتوازن قوى الميدان، ثابتة بين متحركين مهتزين، وقد عزّزت ثباتها باقتدارها على أن تكون محاوراً جدّياً مع الأميركيين كممثلين لـ «إسرائيل» ما سمح بانتاج اتفاق الترسيم والتنازل عن كاريش مقابل قانا.. ومن تداعيات هذا الترسيم سترتسم خطوط النفوذ الاقليمية والدولية والمحلية الجديدة.
وللّه الأمر من قبل ومن بعد.