بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 كانون الأول 2022 12:00ص لبنان ومسرح اللامعقول

حجم الخط
المسارح في لبنان، على الرغم من ندرتها، بالمقارنة مع سكان لبنان، باتت اليوم فارغة من الروّاد، أو شبه غائبة، الى درجة لم يعد أو قلّ من يشعر بوجودها. وذلك بخلاف ما كان عليه حالها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت المسرحيات بمنزلة العاكس لأوضاع الدولة والقادة والزعماء والمجتمع والناس، تتناول بالنقد الحاكم والمسؤول، وتعرّي الانحراف والفجور وتكشف العورات وأسباب الفشل والسقوط.
مسارح كانت ملاذا لتخفيف الضيّق والاحتقان في النفوس، فتدخل الجمهور من أوسع الأبواب الى الدواوين والسرايات والقصور، فتثير السخرية، وتبعث على الضحك وتشبع شهوة الناس في تتبّع المسؤولين والكشف عن الموبقات والمحرّمات التي ترتكب وتجري خلف الكواليس لإظهار ما هو مستور ومحظور.
واليوم تغيب المسارح، وإن وجدت فإن جمهورها ينحسر ويتوارى عن الحضور، وسبب ذلك يعود، الى ان لبنان كل لبنان تحوّل الى مسرح مفتوح، تتنوّع فيه المسرحيات وتتداخل مواضيعها، من الكوميديا الى التراجيديا، ناهيك عن أن أكثرها متخصص في اللامعقول، أما الأبطال، فلا عجب إذا قلنا بأنهم أكثر من الهمّ على القلب، يصيحون كالديكة على مدار الساعة، ويرقصون على إيقاع البؤس والفقر والمعاناة، رافعين شعار الحرص على أموال المودعين والدفاع عن حقوق الناس.
فعلام تفتح المسارح أبوابها، ويتقاطر الجمهور على أعتابها، بينما المسرحيات تعرض في الشوارع والساحات العامة في المدن والقرى والأرياف وفي كل مكان وبالمجان، وتدخل الى البيوت فتشهدها الأبصار وتلتقطها الآذان.
علام، ولماذا يذهب الجمهور اللبناني الى المسرح، وهو كالطائر المذبوح على الدوام، بكاؤه يفضح الجبناء وضحكته من الآلام، تسفح الضمير وتهتك الوجدان.
مسرحيات متواصلة تعرض في الصبح والظهر والمساء، مضمونها وحبكتها وأبطالها، يتحدون كل المبدعين في عالم الفنون، وكل الرواة وواضعي السيناريوهات.
ولماذا يخشى أصحاب مسرح اللامعقول، وممن يهابون، وهم بالحصانة ملتحفون، وبسلطان البغي متمسكون، ولو تجرّأ سواهم، على اليسير مما يفعلون ويرتكبون من فساد ومجون، لكانوا في مقدمة المرشحين للتوقيف والإقامة خلف القضبان في السجون. أما إذا قدّموا النصائح لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المهترئة والمعيشية المفجعة ووضعوا أصابعهم على الإثراء غير المشروع وانهيار العملة الوطنية وعجز الموازنة والدين العام وخدمته، فإنهم يتجاوزون الخطوط الحمراء وكل الحدود ويعرّضون سمعة لبنان في الخارج، ولا سيما على مستوى البنك الدولي والسوق الأوروبية المشتركة، فيستحقون على نصحهم لمعالجة هذه الأوضاع، وصف الراجمين لوطنهم وقارعي الطبول.
وكم حريّ بنا أمام هذا الواقع المؤلم، أن نتذكر المرحوم حسن علاء الدين (شوشو) في مسرحيته «أخ يا بلدنا» التي لو أعيد عرضها في هذا الزمن الرديء لما شكّلت بكل ما حَوَتْه من سخرية وتقريع عن أوضاع لبنان قبل نصف قرن من ذاك الزمان، سوى حيّز متواضع لما يعيشه اللبنانيون من مآسٍ وبؤس وحرمان.
لم يعد بمقدور أحد، أن يحيط بهذا الحجم الهائل من الفواجع، ويعجز كل بليغ عن وصف هذا اللامعقول، الذي يطوّق البلد ويصيبه بالعته والجنون.
كل هذا يجري في لبنان الذي كان رائداً ومثالاً يُحتذى في الثقافة والعلوم ومختلف الفنون، وكم هو نافع وفي قمة اللامعقول، أن تستباح أم الشرائع العاصمة بيروت، تحت سمع وبصر الدستور والقانون، وقد أُغلقت الأبواب على محراب العدالة، وكيف لا والقضاة غائبون أو مضربون.
وأمام هذا البؤس القاتل والمريع، وهذا الهمّ المقيم، بات الحكم وكلمة الفصل في عهدة الظلمة والفجرة الماكرين.
أما الخروج من هذا الواقع المخجل والحزين، فإنه يحتاج الى رجل رشيد، والبحث عنه في هذه الأيام لا يجدي ولا يفيد، فهو لا يزال في بطن أمه يستغيث.