لا بدّ من اتّخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، ورفع منسوب القلق، حدّ الهلع، ليس بسبب فيروس كورونا المقدور عليه، بل بسبب الفيروسات الثقافيّة والأخلاقيّة المتفشّية في الجسم اللّبنانيّ، فاقد المناعة الوطنيّة!
لسنا الوحيدين لكننا الأسوأ، في كلّ شيء، كورونا غزا دولًا كثيرة، كبيرة وصغيرة، فقيرة وغنية، متقدّمة ونامية، وفي كلّ تلك الدّول، تعاطت حكوماتها وشعوبها مع الفيروس بدرجة عالية من المسؤوليّة الوطنيّة والقوميّة، واستنفرت كلّ طاقاتها للحدّ من انتشاره والسّيطرة عليه، بدءً من الصّين، ومؤخّرًا إيران وإيطاليا وغيرها من الدّول.
أمّا في لبنان، فقد كانت السّلطات المختصّة، والشّعب على حدّ سواء، في أقصى درجات الاستهتار والاستخفاف و«التّنكيت».
أول خطأ ارتكب عندما سُمح لركّاب الطّائرة الايرانيّة بمغادرة المطار إلى بيوتهم، دون إجراء الفحوص اللّازمة لهم، رغم إخطار السّلطات الايرانيّة اللّبنانيين، باحتمال إصابة إحدى الرّاكبات بالفيروس، ما اضطرّ وزير الصّحّة، لاحقًا، إلى التّنقّل بين المناطق والشّاشات، لطمأنة اللّبنانيين، وإعادة ركّاب الطّائرة إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي، لاجراء الفحوصات اللّازمة والاطمئنان على سلامتهم.
واستكملت حفلة التّسييس والعنصريّة على صفحات وسائل التّواصل الاجتماعي، ليتقيّأ مغرّدون حقيقيّون ووهميّون أسوأ ما يمكن أن ينتجه عقل موبوء، فتراوحت التّغريدات بين السّخرية والشّماتة والعنصريّة، كأنّ الفيروس سيصيب فئة دون فئة، أو حزبًا دون آخر، أو منطقة دون غيرها.
في المقابل، انبرى الفريق المؤيّد لإيران «سياسيًّا» ليدافع عن «كورونا الايراني»، بطريقة عاطفيّة انفعاليّة تفتقد إلى أبسط معايير الحكمة والمنطق، فخرج علينا أحدهم بفيديو يبرّىء به إيران من الفيروس، مستحضرًا نظريّة المؤامرة لضرب اقتصاد الجمهوريّة الاسلاميّة ومحور المقاومة، وينفي ما أكّدته الحكومة الايرانيّة، من وجود حالات كثيرة، في مدن عديدة، راح ضحيّتها عدد غير قليل من المصابين..
لقد أسقط كورونا آخر أوراق التّوت عن عوراتنا، وأظهر سوءاتنا للعالم، وأثبت بأنّنا شعب منقسم على ذاته وإنسانيّته وأخلاقيّاته، وبأنّ أكثر وجوه الاعلام والفنّ والسّياسة، ليسوا سوى فيروسات ثقافيّة وأخلاقيّة وعنصريّة، تفوق خطورتها كورونا وانفلونزا الخنازير وجنون البقر.. والجراد الّذي قد يزورنا على حين نكتة!