بيروت - لبنان

12 شباط 2020 08:27ص لعبة الـ «65» تهز علاقة الانتفاضة بالمعارضة النيابية!

«ثنائي» الأكثرية يدمغ سمعة الحكومة الوليدة دولياً بالأحادية وعدم الاستماع إلى صوت الناس

حجم الخط

حسابات جنبلاط على بيدر الحليف غيرها في حقل رفاق الأمس في «المستقبل» و«القوات» والشارع

ليست مسؤولية المعارضة أن تؤمِّن النصاب القانوني لجلسة نيل الثقة للحكومة، بل مسؤولية الأكثرية التي تحكم. هي التي اختارت الرئيس وتشاركه في الحكومة بثوب تكنوقراط. من هنا، كان المنتفضون والثوار، الذين نزلوا إلى الشارع لقطع الطريق على وصول النواب، يمنّون النفس بوقوف نواب المعارضة إلى جانبهم لإيصال الرسالة الى الحكومة ومَن يدعمها بأن إنقاذ البلاد من واقع الانهيار الذي دخلت فيه يتطلب مقاربة مختلفة عن تلك التي اعتمدوها، والتي آلت في نهاية الأمر إلى استمرار النهج السابق في إدارة الحكم. لذا، كان الغضب من خطوة «اللقاء الديموقراطي» بتأمينه نصاب الجلسة.

لا لبس في أن «اللقاء الديموقراطي» كان قد أعلن أنه سيحضر الجلسة من دون أن يمنح الثقة، وكذلك «تيار المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية»، إلا أنه مع تعثر قوى «الأكثرية» في تأمين النصاب في ظل نجاح المحتجين بتطويق مداخل المجلس وارتفاع وتيرة الصدامات مع القوى الأمنية، خرجت مصادر كل من «المستقبل» و«القوات» لتقول إن تأمين النصاب ليس من مسؤوليتهما، ما جعل «التقدمي» في موقف حرج، ولا سيما بعد تسريب لائحة الحضور، حيث احتلت تواقيعهم من الرقم 62 إلى الرقم 65 وهو العدد المطلوب لتأمين النصاب، لتتبعها تواقيع ثلاثة آخرين من نواب بري.

صحيح أن رئيس مجلس النواب بدأ الجلسة قبل دخول نواب «اللقاء الديموقراطي» القاعة - وهي مخالفة للدستور - لكنه فعل ذلك بعدما تبلّغ أنهم سيحضرون، وهو الحضور الذي أمنّ النصاب بعد ثلاثة أرباع الساعة من الانتظار. ولو لم يعطوا موافقتهم لكانت الجلسة بقيت معلقة مع الحاجة إلى النائب رقم 65 لانطلاقها، والذي كان عملياً نائب الحزب القومي سليم سعادة الذي اعترضه المنتفضون وأصابوه بجروح استدعت نقله إلى المستشفى، ولم يلتحق إلا بعد ساعات من بدء الجلسة.

في السيناريو الافتراضي أن عدم اكتمال النصاب كان إما سيؤول إلى رفع الجلسة أو إلى إطالة أمد الانتظار أكثر لحين تأمينه من صفوف «8 آذار»، وفي كلتا الحالتين، يكون الثوار في الشارع قد حققوا انتصاراً كبيراً. هذا ما آل إلى بروز ردود الفعل السلبية من التحاق نواب «التقدمي» الذين أنقذوا رئيس المجلس نبيه بري. حسابات رئيس التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع بري يمكن فهمها في إطار العلاقة الاستراتيجية التي تربط الرجلين، وحرص كل منهما على تشكيل سند سياسي للآخر في إطار اللعبة الداخلية، غير أن هذه الخطوة جاء وقعها ثقيلاً على الشارع، وزادت الهوَّة معه، كما هو وضع «المستقبل» و«القوات»، في وقت كان من الطبيعي أن تشكّل الاستحقاقات المقبلة نقطة تلاق طبيعية وموضوعية بين المنتفضين والقوى المعارضة.

ولكن في محصلة اليوم الطويل، لا يمكن اعتبار أن الثوار لم يسجلوا أهدافاً في مرمى السلطة التي وجدت نفسها مضطرة إلى تحويل وسط بيروت لثكنة عسكرية وإلى التصادم واستخدام القوة المفرطة لتأمين مواكبة نواب الأمة الذين هُم، من حيث المبدأ، ممثلو الشعب الذي يثور عليهم. فالقنوات الفضائية اللبنانية والعربية والدولية كانت تنقل المشهد من داخل البرلمان وفي محيطه. ولا شك أنه جرى رصد لدقائق نهار أمس، حيث الأمم المتحدة ومجموعة الدعم للبنان وباريس وواشنطن يؤكدون جميعاً على ضرورة أن تلبّي الحكومة صوت الناس ومطالبها وأحلامها.

فالثقة التي حازت عليها حكومة حسان هي «ثقة بشق النَفَس» (63 صوتاً) في جلسة ملتبسة دستورياً بنصابها الافتراضي، فضلاً عن أن كلمات «أهل البيت» عكست عدم وقوفها على أرض صلبة، مع بروز غياب رؤية مشتركة حول كيفية التعامل مع الديون السيادية وحماية أموال المودعين الذين يعيشون هاجس القلق مع غياب الإجابات، ما يعزز الشكوك حول قدرتها على الحد من السقوط المالي السريع.

وإذا كان المشهد خارج ساحة النجمة أظهر غياب الاحتضان الشعبي للحكومة، فإنه رسم في الداخل حدوداً واضحة مع وجود كتل قوية معارضة، وإن كانت لا تتأطر في إطار جبهة واحدة، لكنها قوى تملك فرصة حقيقية لتقديم أداء مختلف في المساءلة البرلمانية التي كانت غائبة لسنوات طويلة مع الحكومات التوافقية التي ضاع معها الخط الفاصل بين الموالاة والمعارضة، على الرغم من أن ذلك النوع من الحكومات يصبح حاجة وضرورة في أوقات الأزمات الحادة، كتلك التي يمر فيها لبنان، والتي تفترض وجود شبكة أمان داخلية تلاشت بقوة بعد انهيار التسوية الرئاسية.

ما يزيد من حدّة الواقع المأزوم أن الانقسام السياسي الحاصل يحول دون تحقيق إجماع وطني تحتاجه البلاد لملاقاة الاستحقاقات الآتية، إجماع ليس متاحاً في ظل الحسابات المتناقضة للاعبين المحليين وانعكاس المواجهة الدائرة في المنطقة على الداخل اللبناني.