بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 حزيران 2020 12:02ص «لقاء بعبدا» لزوم ما لا يلزم.. والحكومة في عين العاصفة

حجم الخط
انعقد «اللقاء الوطني» في القصر الجمهوري بغياب أركان المعارضة السياسية المسيحية لـ«العهد» والثقل السُني متمثلاً برؤساء الحكومات السابقين. واستناداً الى البيان الختامي تبيّن انّ اللقاء خالٍ من المفاعيل التي من شأنها أن تبدّل من المشهد الاقتصادي والمعيشي والسياسي العام في البلد حيثُ انّ المشكلة تكمن في أن الحكومة عجزت حتى الساعة عن وقف الانهيار المُتسارع.

وفي كلمته الافتتاحيّة، حصر رئيس الجمهوريّة اللقاء بعنوان «السّلم الأهلي» والتّصدّي للفتنة، في الوقت الذي تواجه فيه الطوائف والمذاهب كافةً مُعضلة وطنيّة مشتركة تتمثّل بإفلاس الدولة وإفقار اللبنانيّين وتجويعهم، وتهاوي قدرة المقيمين والمغتربين على الصمود، وانحلال جميع العناصر الاقتصادية والثقافية والتربوية والصحية.

تردّد موضوع الانهيار المالي في كلمات عدد من المتحدّثين، الّا انّ البيان الختامي للّقاء كان في مكان آخر، وجلّ ما خلص اليه اللقاء من تدابير تقويميّة للوضع المتأزّم هو «اقتراح بتشكيل لجنة تتابع الاتصالات تحت قبة المجلس النيابي، مع جميع القوى السياسية والحراك المطلبي وهيئات المجتمع المدني، على أن ترفع توصيات إلى هذا اللقاء مجدداً برعاية فخامة رئيس الجمهورية». 

في الخلاصة، أثبت «اللقاء الوطني» أنّ الانقسام في البلد يزداد تجذّراً، وانّ الحسابات الفرديّة تطغى على المصلحة الوطنيّة.

مشكلةُ لبنان المستعصية

المشكلة الأساسية في لبنان هي سياسية بامتياز ومرتبطة بالإقليم وبالداخل اللبناني، ولبنان لا يُمكن ان يتحمّل المزيد من المناكفات السّياسيّة التي أسهمت في استمرار الاستعصاء على مباشرة الإصلاح في لبنان.

ومن الواضح أنه لا يوجد رؤية (او نيّة) للإصلاح لدى مَن هُم في موقع المسؤولية، ولا يملكون جدول أعمال لحماية السلم الأهلي ممّا يهددّه من انفجار اجتماعي وشيك، كما انّه من غير المنطقي والمقبول أن يعرض من أوصلوا البلد إلى هذه النتيجة أنفسهم كبديل، لأننا ندفع اليوم ثمن سياساتهم.

والمدخل الى الحلّ يكون برسم خريطة طريق واضحة تتضمن موقفاً وطنياً موحداً من القضايا التي أدت إلى الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي، وإلى الانكشاف الأمني والعسكري، وبرنامج يطلق الإصلاحات اللازمة، على ان يتم ضخّ دماء جديدة في شريان العمل السياسي اللبناني. 

حكومة الإنجازات الصوريّة

تمكّنت الحكومة من انجاز «خطة إصلاحية» توجهت بها إلى صندوق النقد الدولي كمدخل لبدء التفاوض معه لمساعدة لبنان في اجتياز أزمته الاقتصادية. وكانت قد أعلنت الحكومة منذ شهر انّها أنجزت ما نسبته ٩٧ في المئة من التزاماتها في البيان الوزاري للمئة يوم، ونحو ٢٠ في المئة من التزاماتها خارج المئة يوم في برنامج عمل السنة، الّا ان اللبنانيّين تلقّفوا هذا الإعلان على انّه تقويم أشبه بإفادة ترفيع على ورق ولم يُعبّر عن اجراءات تنفيذيّة ضروريّة، ولم تضع الحكومة رؤية اقتصادية واصلاحيّة، بل قدمت بياناً مالياً في محاولة لتعبر من خلاله إلى صندوق النقد الدولي.

إنّ الأداء الذي قدّمته الحكومة في الأشهر الماضية لم يكُن على قدر توقّعات اللبنانيّين لا سيّما لجهة تقصير الحكومة في وضع دراسة وخطة للإصلاح، والتخبّط في التعامل مع أسعار الصرف والخضوع الى مطالب المصارف والصّرافين، ومخالفة قانون آلية التعيينات الذي أقرّه مجلس النواب، والتقصير في محاربة التهريب عبر المعابر غير الشرعيّة، والقصور في ملف الكهرباء وبالذات قضية معمل سلعاتا، وغيرها من القضايا والملفّات.

ولا تزال الأزمة الاقتصادية تشتد على اللبنانيين مع استمرار الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار عن السعر الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان، وانتفاء الحلول الجذريّة والناجعة. وبالتالي لا يُمكن الحديث عن إنجازات للحكومة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة وانخفاض القدرة الشرائية لما دون النصف، والاتجاه الى تحرير سعر صرف الليرة ابتداءً من ٣٥٠٠ من دون دراسة إثر اقتصادي ومالي واجتماعي، في مؤشر الى انّ لبنان مُقبل على شفير انفجار اجتماعي لم يشهد له مثيل.

اليوم يسأل اللبنانيّون إلى أي سعر سيصل الدولار وسعر صفيحة البنزين وسعر الدواء وسعر ربطة الخبز وسعر المواد الاساسيّة؟ من هنا ضرورة ان تُسرع الحكومة في اتخاذ إجراءات لدعم السّلع الاساسيّة وتخصيصه للفئات الأكثر حاجة ضمن إجراءات الحدّ من استنزاف العملات الاجنبيّة في الخزينة، ووقف تهريب تلك المواد عبر المعابر غير الشرعيّة، وكذلك مراقبة التزام محلّات بيع المواد الغذائيّة بالسّعر التي حددّته وزارة الاقتصاد للسلع المدعومة من السّلة الغذائية والتأكّد من زنتها.

صندوق النقد الدولي

لبنان يُعاني من واقعٍ سياسيٍ مهترئ القى بتداعياته على الاقتصاد والوضع المالي والاجتماعي والأمني في البلاد، وقد وجدت الطّبقة السّياسّية في صندوق النّقد الدولي وصفةً سحريةً قد لا تكون كافيةً لحلّ مشاكل لبنان الكارثية والمتشعّبة ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشكلة «الكابيتال كونترول» المُطبّق في المصارف اللبنانية بطريقة غير قانونية، ومشاكل تتعلّق بالتضخُّم المتنامي والبُنى التحتيّة المهترئة والأمن الغذائي الاجتماعي وفقدان لبنان لنظام اقتصادي انتاجي، ومشكلة اللاجئين السّوريّين في لبنان.

وقد اضحى الاتفاق مع الصندوق بالنّسبة للطّبقة السّياسّية حاجةً راهنةً لإمكانية الحصول على تمويل دول مانحة تطلب بدورها ان يقوم لبنان بإصلاحات يريدها الصندوق ويحتاجها لبنان فوراً، اضافةً الى الشّروط السّياسيّة التي اثارت انقساماتٍ داخليّةٍ. ولكن يُصوّر البعض للرأي العام انّه لا خطّة بديلة راهناً غير إنجاز اتفاق مع صندوق النقد وما يطلبُه من إصلاحات، في حين يسأل آخرون عن سبب الذّهاب الى الصندوق مع ان لبنان يمتلك ٢٨٧ طن من الذهب بقيمة ١٨ مليار دولار مع احتياطي ٢٠ مليار دولار.

* * *

في المحصّلة، بات جلياً ان الحوار الذي حصل في بعبدا بين أطراف الطبقة السياسية المسؤول معظمها عن انهيار البلد، لا يعدو لقاءً بروتوكولياً لا اُفُق له ولا فائدة في عملية الإنقاذ، لانّ السّلطة مجتمعة برهنت وما زالت عن عجزها في ابتكار الحلول الدائمة والقابلة للتنفيذ من أجل إنقاذ البلد وتلبية احتياجات الشّعب الذي أكثر ما يعنيه اليوم هو لقمة عيشه ومكافحة الغلاء الجنونيّ واستقلال القضاء ومحاسبة الفاسدين واسترجاع المال العام المنهوب. 

وإن كان لُبنان وشعبه ضحيّة مُمارسات هذه الطّبقة السياسيّة الرّعناء، الّا ان ذلك لا يُخلي مسؤوليّة اللبنانيّين اجمعين وهم الذين كانت لهم اليد الطّولى في ترسيخ هذه الطّبقة دون محاسبتها على أدائها الخائب ومطالبتها بتأمين أدنى حقوق العيش الكريم والحياة الرغيدة. 

أعان الله لبنان وشعبه.