بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آذار 2019 12:00ص لمصلحة مَن؟!

حجم الخط
الوقائع على الأرض، تجزم بأن الوضع مؤلم وغير مطمئن وحكومة العهد الأولى التي وُلدت على إيقاع الخلافات الداخلية، ولم يمض بعد على ولادتها أكثر من شهر، تبدو وكأنها تعيش آخر أيامها بعد الخلاف القوي الذي نشب بين التيار الوطني الحر وتيار «المستقبل» على خلفية التباين الحاصل بينهما حول عودة النازحين السوريين إلى ديارهم وحول ملفات الفساد وطريقة مكافحة هذه الآفة التي تنخر جسم الدولة منذ عشرات السنين وازدادت في العشر سنوات الأخيرة إلى درجة باتت تُهدّد بإفلاس الدولة وفق ما أجمعت عليه التقارير الداخلية والخارجية التي وضعها خبراء في علم الاقتصاد والعلوم المالية على أنواعها. ورغم فداحة هذا الوضع المزري ليس هناك ما يدل على وجود حدّ أدنى من المسؤولية عند أرباب السلطة بل إن طريقة إدارة كل ملفات الأزمات توحي بالاستخفاف أو بعدم وجود تصميم فعلي على إجراء جراحة عميقة لتطهير الدولة من الرأس إلى القاعدة من هذه الآفة الخطيرة سوى ما سمعه اللبنانيون مؤخراً من أصوات تعلن الحرب على الفساد والمفسدين من دون ان تقدّم الآلية التي تفضي فعلاً لا قولاً حتى إلى البدء بصورة عملية في مكافحة الفساد المستشري على أوسع مدى ونطاق.
استمعنا بالأمس إلى رئيس الجمهورية وهو يعلن الحرب على هذه الفئة، ويرفع الغطاء عن جميع المسؤولين من رؤساء ووزراء ونواب بدءاً بنفسه، من دون ان يطرح أية آلية للطريقة الواجب اتباعها لتحقيق هذه الغاية النبيلة، وإن كان أعاد إلى الذاكرة مسألة اتهامه بعد نفيه إلى فرنسا بالاستيلاء على أموال الدولة وتحميله مسؤولية الفساد والافساد.
رئيس الجمهورية رفع السقف في مسألة مكافحة الفساد، بوصفه السبب الأكبر للضرر في لبنان، لأنه هو الذي عاد بالخير على الفاسدين والمفسدين ولكنه تسبب بالشقاء لمن يدفعون الضرائب ولا يتلقون الخدمات اللازمة التي يستحقونها من الدولة. ويخلص رئيس الجمهورية إلى التأكيد على أن الحرب على الفساد والفاسدين والمفسدين قد بدأت منذ الآن وانه ليس هناك في هذه المعركة حصانة لأحد، وهذا ما يجب ان يعرفه الجميع. ومعنى هذا الكلام ان هذه الحرب التي أعلنها رئيس الجمهورية لن تستثني أحداً وانها يجب ان تبدأ من رأس الهرم على قاعدة ان وراء الفاسد مُفسد يغطيّه، ويقصد بـ«المُفسد» الذين يديرون إدارة الدولة ويمسكون بالقرار.
وإذا كان رئيس الجمهورية انتظر سنتين ونصف السنة ليعلن هذه الحرب على الفساد فإن أكثرية اللبنانيين، وإن كانت تتمنى ان يذهب بها حتى النهاية، فإنهم لا يرون استناداً إلى الذهنية التي أُديرت بها الدولة في السنتين والنصف الماضيتين، ان هذا الأمر سوف يتحقق في المستقبل القريب وحتى البعيد ولا يتعدى الأمر مجرّد «فشة خلق» فرضها عليه الخلاف المستحكم الآن داخل الحكومة وعلى المستوى العام حول عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، والرئيس لم يخفِ في كلامه أمس هذا الأمر، بل أفاض في التأكيد على وجوب عودتهم بأي شكل من الاشكال بصرف النظر عن الموقف الدولي من هذا الأمر وموقف فريق واسع من اللبنانيين يدعو إلى التعاون مع المجتمع الدولي وعدم التسرع في حسم هذا الأمر طالما ان الوضع لم يستقر في سوريا، وطالما ان هذه العودة محفوفة بالمخاطر على هؤلاء النازحين.
مما لا شك فيه ان هناك تساؤلات تطرح قبل انعقاد مجلس الوزراء في جلسته الرابعة المتوقعة يوم الخميس المقبل، وتذهب في اتجاهات لا تقتصر على الظاهر الداخلي السائد حالياً ومنها كيف امكن تذليل العقبات التي حالت دون تشكيل الحكومة قبل أقل من شهرين ثم اصطدم هذا الإنجاز في أوّل الطريق بالاخفاق؟ وهل كانت الحكومة مجرّد هدنة عابرة ذات أفق إقليمي هش ثم طرأت عوامل غير مرئية باتت تهددها الآن لدرجة ان استمرار التسوية بين التيارين باتت عصية على أصحاب المساعي الحميدة، ولمصلحة مَن يحصل كل ذلك والعهد لا يزال في بدايات عامة الثالث، ولم يبدأ بعد بأية خطوات عملية على صعيد الإصلاح؟