بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الثاني 2019 06:04ص لهذه الأسباب أوقف الحَراك قطع الطرقات

مسيرة نسائية بالشموع في رياض الصلح أحدث إنجازات الإنتفاضة مسيرة نسائية بالشموع في رياض الصلح أحدث إنجازات الإنتفاضة
حجم الخط
هي ضربة معلم تلك التي وجهها منظمو الحراك الشعبي الى منتقديهم عبر التركيز أخيرا، وخاصة أمس، على محاولة إيجاع السلطة عبر وسائل جديدة مؤداها محاصرة المرافق والمؤسسات العامة بدلا من الإضرار بالناس مع قطع الطرقات عليهم.

إتخذ النقاش بعض الوقت في الفترة الماضية بين مجموعات الحراك وطبعا الأحزاب التي شاركت بقوة وشكلت رأس حربة الاحتجاجات، حول الطرق المثلى لإرغام السلطة على التراجع والتسليم بمطالب الانتفاضة.

شكل الهجوم على الشارع وقطعه من قبل المنتفضين ورقة مريرة بالنسبة إليهم كانوا مرغمين عليها، لكنها كانت ضرورية لإسقاط الحكومة، ويعتبر هؤلاء انهم تمكنوا من الوصول الى هدفهم مع استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، علما أن الأمر لم يكن مشابها مع الورقة الاقتصادية التي قدمها أفرقاء السلطة إذ لم يُعتبر ذلك بمثابة الإنجاز، وإن كان وفر المزيد من الدعم المعنوي بالنسبة الى المحتجين و»الثورة».

والواقع أن تقييما نزيها لهذا التحرك يفترض اعتبار ما جرى نقطة مضيئة في التاريخ اللبناني الحديث، وكان «الثوار» يعلمون تماما انهم لا يستطيعون التراجع عن مطلب إسقاط الحكومة، ذلك ان مشهد احتجاجات العام 2015 والذي نزل فيه المحتجون الى الشارع رفضا لأزمة النفايات، ومن ثم انكساره، كان ماثلا في الأذهان، وهذا ما يفسر مضي الاحتجاجات بهذا الزخم الذي جاء استكمالا لمشهد العام 2015.

مضى المحتجون بتحركاتهم الى أقصى حد، في موازاة تحرك بعض الاحزاب والتيارات السياسية ما فرض زخما كبيرا في الطرقات المقطوعة جاء مؤذيا للحكومة، والتي جاءت استقالتها لتفرض نقاشا جديا لدى المحتجين حول إيجابية الاستمرار في هذه المرحلة ومدى ملاءمة ذلك مع الصورة النقية التي اتخذها «الثوار» لأنفسهم.

كان الإتجاه العام لدى الحراك المدني واليسار الى وقف هذا الأمر. ساد هذا الرأي لدى المجموعات الأولى التي بدأت بالتحرك كحزب سبعة وبيروت مدينتي وطلعت ريحتكن والشعب يريد إصلاح النظام وهيئة تنسيق الثورة وحراس المدينة في طرابلس وغيرهم.. كما لدى أحزاب اليسار كالحزب الشيوعي الذي يطغى على تحرك ساحة رياض الصلح، إضافة الى حركة الشعب وتيارات نمت على ضفاف التحرك.. علما أن هذه المجموعات تعتبر نفسها والدة «الثورة» وقد تبعها الآخرون من السياسيين، وهي تقر بأن الدفق الشعبي لتلك الانتفاضة شكله مواطنو تلك «الثورة» وليس هي التي تحتفظ بحضور نسبي ولكنها ماهرة في التنظيم.

ويؤكد منظمو الحراك المدني انهم وقفوا ضد ما شابه من سلبيات وخاصة الشتائم والتطاول غير الأخلاقي على البعض من السلطة، وهو عمل يشددون على انه صنيعة الاحزاب السياسية التي استغل بعضها الحراك.

رصيد «الثورة»

مع سقوط الحكومة، حصل نقاش جدي أدى الى قناعة عامة بأن الوقت حان لفتح الطرقات، ذلك أن هذا الأمر بات يأكل من رصيد «ثورتنا» كما يلفت مسؤولو الحراك «ويقلب الرأي العام الشعبي ضدنا». وانطلاقا من هنا، تم الاتفاق على خطوات أخرى قادرة على توجيه رسائل قاسية إلى الطبقة السياسية، وهي الطبقة المسؤولة عن السياسات الإقتصادية والإجتماعية منذ زمن وأدت بالبلد الى ما أدت إليه.

والحال ان بعض المراقبين يرى ان هذا التحول يصب في خانة الحراك الحقيقي كما بدأ، فهو يسمح بفصل مطالبه عن رغبات القوى السياسية التي سعت إلى إستخدام الشارع في المفاوضات القائمة حول تسمية رئيس ​الحكومة​ وتأليفها، علما ان بعض الحراك قد مضى في هذه الموجة أيضا ولجأ الى قطع بعض الطرقات، إما في شكل عفوي ونتيجة إندفاع مبالغ به، أو بسبب تأثر سياسي ما.

طبعا، كان قرار الجيش اللبناني في فتح الطرقات عاملا مؤثرا واكب المراجعة التي حصلت، وبينما التزم الجانب الأكبر من الحراك المدني الالتزام بالساحات، سرت إتهامات لبعض الأحزاب كالقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي، وخاصة تيار المستقبل الذي يفاوض عبر الحريري للعودة الى رئاسة الحكومة، بالاستمرار في هذه الأساليب. ​ 

مهما كان الأمر، فقد حصل تطور إيجابي في الساعات الأخيرة، وخاصة أمس، فشكل الحراك ضغطا كبيرا عبر تغيير وسائل عمله، وتم الإتجاه نحو ضغط شعبي يطاول المرافق والمؤسسات العامة. هي وسيلة أكثر نجاعة في إخضاع السلطة والمستفيدين منها والفاسدين، وهي بادرة حسن نية من قبل «الثوار»، واحتفاء بما تم إنجازه حتى الآن.

إلى حين..

لا رد جازم لدى مسؤولي الحراك حول مدة هذه الخطة الجديدة، ويؤكد كثيرون أن لا مهلة معينة معطاة الى المسؤولين على هذا الصعيد. لكن الأمر مطروح مجددا بالتأكيد في حال عودة الوجوه التي ثار عليها الناس. هنا يبدو الأمر شاملا للسياسيين التقليديين كافة ومنهم الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وغيرهما.

يريد المنتفضون وجوها تعبّر عنهم وهي كثيرة وتم تداول بعضها في الإعلام، وهم يرفضون مقولة حكومة تكنوقراط مدعومة من السياسيين، أما حكومة تكنوسياسية، فهو موضوع غير مطروح أصلا لديهم!

ويبدو أن مجموعات الحراك تقيس تحركاتها يوميا، تجري التقييم والمراجعة، ومن ثم تتخذ القرار الأنسب حول التحرك. ولدى الكثير من المعتصمين في رياض الصلح نية بالتصعيد نتيجة افتقاد الثقة لديهم في «طبقة السلطة» وهو مصطلح كريه لدى هؤلاء يحلمون بمثالية وببساطة بالتخلص منه.

يوم أمس شكل تاريخا جديدا لـ»ثورة 17 تشرين» يقربها أكثر من الناس. 14 وأكثر من المرافق العامة والخاصة في بيروت تم استهدافها، وطبعا غيرها في المناطق. مبنى الTVA التابع لوزراة المالية، وزارة التربية حيث قطع عشرات التلاميذ الطريق أمام الوزارة مطالبين بتعليم افضل وتحسين التعليم الرسمي ورفضوا غلاء التعليم الخاص، شركة الكهرباء، الجامعات الخاصة، شركتا الخليوي والمصرف المركزي والإيدن باي. أما التحرك نحو العدلية فقد استقطب اهتماما ملحوظا كون القضاء هو المطالب أولا بمكافحة الفساد. هناك هتف المتحركون لقضاء مستقل ولمحاسبة الفاسدين والمناداة باستعادة الاموال المنهوبة.

إلى أين من هنا؟

  قد لا تبدو الإجابة على هذا السؤال بتلك البساطة.. حتى بالنسبة الى الحراك نفسه!