بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 شباط 2018 12:00ص مَن يدفع الثمن؟

حجم الخط
عندما تتقاطع مصالح الطبقة السياسية مع بعضها، يصبح كل شيء مسموحاً، حتى ان الدستور يتحوّل إلى وجهة نظر، يفصلونه بما يتناسب مع تلك المصالح المشتركة. هذا ما حصل بالنسبة إلى مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994 وهذا ما حصل أيضاً بالنسبة إلى موازنة 2017، ومشكلة قطع الحساب عن السنوات السابقة التي، وبسبب خلافات هذه الطبقة، لم تقر الموازنات السنوية ومعها قطع الحساب، ونتيجة تقاطع المصالح تجاوزت الطبقة السياسية كل القوانين والدساتير والوثائق والأعراف وأصبح كل شيء مسموحاً قانونياً ودستورياً وميثاقياً وكأن شيئاً لم يكن.
عند نشوب أزمة مرسوم الاقدمية، تبارى أركان الطبقة السياسية، واستناداً إلى القوانين والدستور ووثيقة الوفاق، في طرح الاجتهادات والتفسيرات وما إلى ذلك حتى وصلت الأوضاع في البلاد إلى مرحلة الانزلاق في الفتنة الطائفية، والعودة إلى لغة الحرب الأهلية واستحالة التعايش تحت راية الدولة الواحدة بين المكونات الطائفية لهذا البلد، وإذا بالطبقة السياسية نفسها التي اشعلت الشارع ووضعت البلاد على حافة الانقسام العمودي تستدرك الأمور بعدما تقاطعت مصالحها، وتسحب فتيل الأزمة من الشارع، وكأن شيئاً لم يكن، فلا خلاف على إدارة الحكم، ولا خلاف على تفسير وثيقة الوفاق الوطني ولا خلاف على تفسير الدستور، وباتت كل الطرق سالكة للخروج من هذه الأزمة المستعصية على الحل، أو تلك. فالخلاف الذي كان قائماً بين الرئاستين الأولى والثانية على تفسير الدستور بالنسبة الى مرسوم الاقدمية، وتمسك كل منهما بتفسيره الخاص، ثم تحول بسحر ساحر، وبعد ان حققت الأزمة أغراضها، في شدشدة الشارع الانتخابي وتهييجه لصالحها، إلى فسحة لاستخلاص الحل غير المبني على أي قاعدة دستورية أو قانونية ولا علاقة له من قريب أو من بعيد بوثيقة الوفاق الوطني وهو دمج مرسومي الترقية والاقدمية بمرسوم واحد وقع عليه رئيس الجمهورية بعد توقيع وزير المالية الذي يمثل الطائفة الشيعية في الحكم، فإذا كان رئيسا الجمهورية ومجلس النواب يعرفان ان الحل موجود في الدستور، فلماذا إذن كان خلافهما في الاساس الا إذا كان ما حصل من شد حبال، وتهييج الشارع ورفع السقوف هدفه واحد، وهو تحقيق مزيد من المكاسب على أبواب الانتخابات النيابية المحكومين داخلياً ودولياً بإجرائها في موعدها، لأن التأجيل كان سيشكل فضيحة لهذه الطبقة السياسية تُهدّد وجودها وهي التي تتحكم برقاب العباد وتجمع الثروات الطائلة باسم الشعب والدستور وكل القوانين التي سنتها بهدف الحفاظ على وجودها وعلى مصالحها كافة.
من المفيد القول أن البلد تجاوز قطوع مرسوم الاقدمية، لكن من المؤسف أيضاً القول بأن المستفيد من تلك الأزمة التي مرّت فيها البلد هي الطبقة السياسية التي تحكم البلد منذ عشرات السنين وتسخر كل شيء لكي تبقى في السلطة من دون أي وازع ضمير أو تطلع إلى مصلحة هذا البلد المنكوب بهذه الطبقة، والذي لم يثبت حتى الآن جدارته في تغيير الواقع المزري نحو الأفضل بسبب العوائق والعراقيل التي تضعها هذه الطبقة في وجهه كلما استشعرت بأن هناك خطراً عليها من الشارع.
لا يعني هذا التوصيف اننا ضد الإتفاق الذي تمّ بين الرئاستين الأولى والثانية، بعدما وضعتا بتصرفهما البلد كلّه على كف عفريت الفتنة الطائفية، لكننا نسأل: أوليس من الأجدى لو انهم لم يفتعلوا هذه الأزمة؟