بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 آذار 2018 01:13ص مؤتمرات «الملاذ الآمن»: رهان على «توازن ما» يُعيد الحريري إلى الرئاسة الثالثة بعد الانتخابات!

انخراط عربي - دولي لمنع سقوط لبنان في الحضن الإيراني مع سياسة العصا والجزرة

حجم الخط

«حزب الله» يسعى لاحتواء باسيل  وتنظيم قواعد العلاقة  بين التيار العوني والثنائي الشيعي

لا شك أن المؤتمرات الدولية المقرّرة لدعم لبنان، من مؤتمر «روما 2»، الذي انعقد أمس، إلى «مؤتمر بروكسل» المرتقب نهاية الشهر المقبل، مروراً بـ «مؤتمر سيدر» المقرر في السادس من نيسان، تترجم قراراً كبيراً باستمرار تأمين مظلة دولية لحماية لبنان. أسباب هذا القرار متعددة، أولها، ضرورة الرهان على تعزيز المؤسسات الأمنية النظامية ودورها المستقبلي في بسط سلطتها كاملة. وثانيها، منع الانهيار المالي والاقتصادي وما يحمله من تداعيات على السلم الاجتماعي. وثالثها، تأمين الحد الأدنى من متطلبات بقاء لبنان ملاذاً آمناً للنازحين السوريين على أرضه، حتى إشعار آخر.
المؤتمرات تسبق، بأسابيع قليلة، الاستحقاق الانتخابي لولادة سلطة تشريعية جديدة في البلاد، وستنتج عنها وعود على ضفتي الواهب والموهوب،  ما يطرح سؤالاً جوهرياً عن الجهة التي ستُنفّذ تلك الوعود بعد الانتخابات النيابية التي تجري للمرة الأولى على أساس قانون نسبي جديد من دون قدرة حاسمة لدى الأطراف اللبنانية على تحديد النتائج مسبقاً. صحيح أن الحكم استمرار، لكن تلك القاعدة لا تسري على الدوام، ولا سيما في لبنان الذي يواجه اليوم تقلبات وتحدّيات مصيرية ومستقبلاً غامضاً.
القول بأن تنفيذ الاتفاقات أو الوعود المبدئية التي ستنجم عن المؤتمرات الثلاثة مرهون بنتائج الانتخابات والتركيبة السياسية التي ستفرزها، لا يبدو من قبيل «التهويل» أو المبالغة. الترجمة العملية تحتاج إلى مناخات ثقة لا يمكن أن يؤمنها سوى استقرار سياسي مبني على «توازن ما»، يعطي اطمئناناً للدول الداعمة والمانحة وللمجتمع الدولي برمته. وهنا بيت القصيد: مَن الذي يُشكّل الضمانة الفعلية للمجتمع الدولي؟ الموقع كموقع أم الشخص الذي يشغل الموقع؟ المؤسسات الدستورية نفسها أم الذين يتربّعون عليها؟ هي أسئلة مشروعة في وقت يبدو فيه أن لبنان وُضع تحت مجهر المراقبة الفعلية، بحيث أن أي اختلال كبير في موازين القوى السياسية سيترك تداعياته على علاقته بمحيطه العربي وعلاقاته الدولية، رغم أن الأداء الغربي والعربي، ولا سيما الخليجي، أظهر في الآونة الأخيرة رجحان كفة «الانخراط  في لبنان لا الانسحاب منه».
في رأي المراقبين، فإن الانخراط الذي يُعبّر عنه الاحتضان للبنان، لا ينفصل عن متطلبات سياسة المواجهة لمنع سقوط لبنان الكلي في الحضن الإيراني. وهو يحمل في طياته ما يمكن وصفه بـ«العصا والجزرة»، ويُشكّل تالياً عوامل الحماية الممكنة للبنان، سواء بالترغيب أو الترهيب سياسياً واقتصادياً ومالياً. 
في هذا الإطار، هناك مَن يعتبر أن رئيس الحكومة سعد الحريري - الذي رغم التوقعات بإمكان تقلص كتلته النيابية - سيبقى محافظاً على كتلة وازنة في البرلمان، وسيبقى - بلا منازع - الزعيم السني الأول، والمرشح الأبرز لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات، خصوصاً أن دقة المرحلة لا تحتمل مجازفات تعريض الساحة اللبنانية لانقلابات مماثلة لتلك التي جرت يوم الإطاحة بحكومة الحريري الأولى عام 2011 وتأليف حكومة نجيب ميقاتي، ذلك أن ظروف وضع «فيتو» على عودة الحريري داخلياً  تختلف راهناً عن تلك التي آلت إلى إبعاده عن سدّة الرئاسة الثالثة وحتى عن البلاد. 
فالتسوية الرئاسية التي وفّرت وصول كل من عون إلى سدة الرئاسة الأولى والحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة لا تزال مضامينها سارية، وليس من مصلحة «حزب الله»، وسط الضغوطات التي تُمارس عليه، أن يخسر ما يُشكّله الحريري من غطاء له، أو أن يخاطر بخطوة من شأنها أن تؤجج الصراع المذهبي السني - الشيعي، في وقت يدرك خطورة ذلك، ويُدرك في الوقت نفسه أن الشارع المسيحي - الشيعي،  الذي مرّ مؤخراً بقطوع المواجهة على الأرض بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» على خلفية الاشتباك السياسي بين رئيس الحركة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل، لا يزال مستنفراً، وأن ثمة اهتزازاً في العلاقة يتسع أيضاً بين جمهور «التيار» و«الحزب»، وإن كان سببه انتخابياً، إلا أنه يكشف مدى هشاشة الاتفاق السياسي الذي يُعرف بـ«تفاهم مار مخايل» والذي وقعه عون وأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله في شباط  2006.
وإذا كان نصرالله على يقين تام من أن الرئيس عون يبقى الضمانة لهذا الاتفاق، أقله على المستوى الاستراتيجي، فهو  يُدرك جلياً معاني خسارة دعم الشارع العوني الذي أمّن له، في لحظة انكشافه داخلياً، الغطاء المسيحي والتوازن السياسي مع قوى «الرابع عشر من آذار». وفي هذا الإطار، يذهب لصيقون بمواقع القرار لدى «حزب الله» إلى التأكيد بأنه لا بد من إعادة احتواء باسيل عاجلاً أم آجلاً لضرورات التوازن الداخلي، أقله في حسابات الأكثرية النيابية، إذ بمقدور «الثنائي الشيعي»، مع حلفائه الخالصين المنتمين إلى المحور الإيراني - السوري، أن يُحرز «الثلث المعطل» في مجلس النواب، لكن ليس بإمكانه أن يحصل على الأكثرية من دون نواب «التيار الوطني» في المبدأ. 
واحتواء باسيل وعودة وضع القواعد لعلاقة سوية بين «التيار» و«الثنائي الشيعي»، ولا سيما  بين باسيل وبري وتباعاً عون وبري، تبقى ضرورة لمنع الاحتقان الشعبي الذي من شأنه أن يخلق مناخات متوترة على الأرض، في وقت تشهد الساحة الإقليمية، ولا سيما السورية، تطورات متسارعة، وهي مفتوحة على احتمالات حرب أوسع، في ظل التسابق الجاري دولياً وإقليمياً على رسم حدود نفوذ كل من تلك القوى، وسط  ترقب جدّي من إمكان انتقال المواجهة المقبلة إلى الجنوب السوري، حيث يتوقع ألا تبقى محصورة بين  النظام وحلفائه والمعارضة السورية، بل قد تمتد شرارتها لتشمل إسرائيل والحدود الأردنية بما يدفع إلى توسع المعركة والأطراف المشاركة بها، ولا يعود معها الكلام عن إمكان تحييد لبنان ممكناً، ما يعني أن «حزب الله»، الذي بتدخله في الحرب السورية يستدرج الحرب إلى لبنان، سيكون عندها بحاجة لقوى داعمة له سياسياً وشعبياً ومناطقياً.
إنها تحدّيات تُعزّز، في رأي مراقبين، من موقع رئيس الجمهورية وتياره ورئيسه، كما من موقع الحريري وتياره، بمعزل عن حجم النجاح الذي قد يحققانه في الاستحقاق النيابي!.