بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2019 06:10ص ما هي مواصفات البديل في حال لم يعد الحريري إلى السراي؟

حجم الخط
سواء أتت استقالة الحكومة بسبب الحراك الشعبي، أو نتيجة الشلل الداخلي الذي قوّض مفاصلها بسبب الأزمة المزمنة بين أطرافها، فنحن الآن أمام استحقاق تشكيل حكومة جديدة.

ان استعراض مسيرة تأليف الحكومات يُبين أن حكومات تصريف الأعمال قد تمكث طويلاً: حكومة السنيورة ظلت تصُرّف الأعمال 6 أشهر تقريباً عام 2009، حكومة الحريري صرّفت الأعمال لمدة 6 أشهر عام 2011، حكومة ميقاتي صرّفت الأعمال طوال 11 شهراً عام 2013، وحكومة سلام (رغم التفاهم التام) صرّفت الأعمال أكثر من 40 يوماً عام 2016.

ومع أن كل بلدان العالم تجُري انتخابات نيابية لحلّ الأزمات الحكومية والسياسية، إلا أن الانتخابات في لبنان بقوانين الانتخابات السابقة والحالية لن تحلّ أي مشكلة (على أمل إقرار قانون انتخابي جديد عادل ويُمثل الفئات الشعبية حق تمثيل). فبعد انتخابات أيار 2018 تمّت إعادة تكليف الرئيس الحريري في 23 أيار 2018، ولم تبُصر حكومته النور إلا في 31 حزيران من العام 2019، وبالتالي بقيت حكومته الأولى تصرّف الأعمال 9 أشهر تقريباً.

إذن، الحكومة الجديدة بمهمتها الانقاذية، ليست في اختيار الاسماء فقط، بل هي في المعايير والكفاءة.

المتظاهرون يطالبون بأن تكون الحكومة الجديدة مُصغّرة، مكوّنة من أصحاب الكفايات والخبراء والاختصاصيين، عابرة للطوائف وبعيدة عن المذاهب والمحاصصة، ومن مستقلين لا صلة لهم بالطبقة السياسية القديمة ولا تضم نواباً أو حزبيين.

لكن واقع الأمر أن جُلّ اللبنانيين مُسيّسون حتى العظم! وفي وضعنا الحالي لن تُشكّل حكومة تكنوقراط من خارج مباركة الأحزاب. 

كذلك، إذا كان غير ممكن أو مقبول استنساخ الحكومة المستقيلة بتعديل عدد من الاسماء، أو تشكيل حكومة تكنوقراط تكون بعيدة عن التركيبة السياسية والاجتماعية للبنان، فما هو البديل؟

قد تكون حكومة مختلطة من سياسيّين واختصاصيّين (تكنو-سياسية) من غير النواب، على أن يتسلّم الاخصّائيون الحقائب الحسّاسة التي تحتاج إلى خبرتهم، وأن تؤمَّن لهذه الحكومة صلاحيات استثنائية، وغالبيّة نيابيّة تُساعدها في عملها وتحمي مسيرتها الإصلاحية، وأن يخضع عملها لأقصى معايير الشفافية.

ماذا عن خيارات تسمية رئيس مكلف لتأليف الحكومة العتيدة؟

واقع الأمر ان الخيارات ضيّقة للغاية، ولا يجوز طرح الأسماء عشوائياً وتجاهل حساسية المعادلة الداخلية في هذه المرحلة.

كما أنه لا امل للوجوه السياسية او الاخصائيين الذين تنقصهم الكفاءة في إدارة الشأن العام، وليس لديهم قدرة التواصل مع العالم الخارجي لمحاولة انقاذ الوضعين الاقتصادي والمالي. 

أما خيار حكومة اللون السياسي الواحد، فيمكن أن تكون خطوة استفزازية خطيرة مع الداخل ومع الخارج، وستشكل انتحاراً للعهد الغارق اصلاً في بحر من التعقيدات والنكسات. 

على ضوء ما تقدم فإن الخيار الأول لتسمية رئيس مكلف لتأليف الحكومة هو الرئيس الحريري على ألا تكون هناك شروط مسبقة تقابل بشروط مضادة، لكنه ليس الخيار الوحيد. 

وفصل النيابة عن الوزارة لا ينطبق على موقع رئيس الوزراء لأن الخصوصية اللبنانية (الحالية) تقضي بأن يرأس الحكومة الأكثر تمثيلاً في طائفته، أو المقبول لديها، أسوة برئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب.

أما الخيار الآخر، بتشكيل حكومة ترأسها شخصية غير الحريري، ولأن المرحلة إنقاذية بامتياز وتتطلب تركيزاً فورياً على الملفات المالية والاقتصادية، فالأفضل أن يكون المرشح لرئاسة الحكومة ذا فكر وسطي، ولديه حيثية سياسية وشعبية من باب التوازن مع بقية الرئاسات. 

وطبيعي ان لا تشكّل هذه الشخصية المرشحة لتشكيل الحكومة استفزازاً لبقية الشرائح اللبنانية، وان يتمتع بفكر إصلاحي، وخبرة للتصدي للمشاكل الاقتصادية والمعيشية. وان يملك رؤية مستقبلية وواقعية تُمكّنه من قيادة مجلس الوزراء في مهامه، ويكون لديه (الحد الأدنى على الأقل) من العلاقات العربية والدولية التي يُمكن استخدامها للمساهمة في معالجة أزمات البلد والتصدي للمخاطر. 

يبدو أن ثمة تريثاً في تحديد مواعيد الاستشارات لتكليف رئيس حكومة جديدة وذلك في انتظار أن تتوضح مواقف القوى السياسية من الاسم المرشح ومن صيغة الحكومة المقبلة. ونأمل ألا تطول، لأن الاحتقان الشعبي يتفاقم، وأخطار الصدام الداخلي تتضاعف، وقد يؤدي ذلك الى ما لا تُحمد عقباه.

* كاتب وباحث