بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 شباط 2019 12:00ص ماذا بعد؟..

حجم الخط
لم يفاجأ أحد بالسرعة التي أقرت فيها الحكومة البيان الوزاري الذي ستتقدم به إلى مجلس النواب وتنال الثقة بغالبية كبيرة، لكن مفاجأة اللبنانيين كانت وما زالت في تأخير التشكيل كل هذه المدة الطويلة ما دام كل الأفرقاء الذين ساهموا في هذا التأخير يدركون منذ أول الطريق، ان لا مفر أمامهم من التفاهم على تأليف الحكومة، لأنهم محكومون أصلاً بالتفاهم، وهذا ما يحملهم على طرح السؤال الكبير الذي كان يتردد بين الأوساط السياسية والشعبية على الدوام عن العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج، والدور الذي لعبه هذا الخارج في إطالة عمر الأزمة لأغراض ترتبط بمصالحه الخاصة. وإذا كان الأمر غير ذلك بمعنى ان الأزمة محض داخلية، مرتبطة بحسابات الأطراف المعنيين بالأزمة، فإن السرعة غير المحسوبة في إنجاز البيان الوزاري، تُسقط تماماً هذا الاحتمال وتعطي الأحقية للذين قالوا منذ البدء أن أسباب التأخير في تشكيل الحكومة، محض خارجية لأن هناك لاعباً أو لاعبين أساسيين لهم ارتباطات خارجية، تملي عليهم ما يجب أن يقوموا به في الداخل اللبناني، وكثر في مرحلة شد الحبال الكلام عبر ارتباطات حزب الله وتحالف 8 آذار بالنظامين الإيراني والسوري اللذين يعود إليهما القرار النهائي في تحديد مواقيت تأليف الحكومة، وعندما تجاوزت الأزمة الحدود المسموح بها أفرجوا عن الحكومة التي جاءت على الصورة التي رسموها منذ اليوم الأول لفتح هذا الملف، وأي كلام أو تحليل آخر يصبح خارج سياق البحث.
بعد التأليف لم يعد مهماً العودة إلى الاغراق في تحليل الأسباب التي أدت إلى هذا التأخير الطويل في تشكيل الحكومة، ما دام الجميع راضياً عن قناعة أو عن غير قناعة بالتشكيلة الحكومية التي أصبحت أمراً واقعاً، بقدر ما هو مهم التطلع إلى المستقبل وما إذا كانت الحكومة الجديدة بتركيبتها غير المتوازنة قادرة على تلبية طموحات اللبنانيين ولو في حدودها الدنيا كمثل تسيير عجلة الدولة المتوقفة وتحقيق بعض الإصلاحات التي تجعل البلد يقف على رجليه على حدّ المثل اللبناني الدارج إلى أن تتبدل الاحوال وتتغير المعادلات السياسية التي تتحكم بالوضع الداخلي، ويقيض لهذا البلد أن يستعيد قراره الذي لا يزال مفقوداً وقد تجسد ذلك في التشكيلة الحكومية، وإن كان مثل هذا الأمر يبقى في حدود التمني لا أكثر ولا أقل بالرغم من التفاؤل الواسع عند رئيس الحكومة وعند رئيس الجمهورية الذي نصب نفسه خلافاً لوثيقة الوفاق الوطني وللدستور وصياً على الحكومة بما يضمن رغبته في أن تكون حكومته الأولى.
رئيس الحكومة اختار لها عنواناً فاقعاً هو حكومة إلى العمل، وجاءت السرعة المذهلة في وضع وإقرار البيان الوزاري تعطي إشارات كثيرة إلى وجود نية عند كل الفرقاء المشاركين فيها للإنتاجية والتعويض عن الخسائر الكبيرة التي نجمت عن التأخير الطويل في ولادة الحكومة، من دون أن يعني ذلك في مطلق الأحوال أنه ليس هناك منتصر ولا مهزوم، بقدر ما أن الجميع متساوٍ في الربح والخسارة، كما في الانتصار والهزيمة وان المطلوب الآن هو انصراف الجميع الى العمل الجاد لإعادة تسيير عجلة الدولة والتعويض عن الخسائر الكبيرة التي أصابت الدولة جراء رهانات البعض وارتباطاتهم الخارجية.