في منتصف عام 2018 انفجرت الانتفاضة الشعبية في السودان، وعمّت كل ولاياته. نادت بسقوط الرئيس البشير، وبسقوط الحكومة، وتغيير النظام الذي ساد لخمس وعشرين سنة، وأدّى إلى الانهيار الاقتصادي، وإلى الخلافات مع دول عربية عديدة.
وفي أوائل عام 2019، تنادى عدد من ضبّاط الجيش، واتفقوا على إزاحة رئيس الجمهورية البشير، واستلام زمام الحكم، لكن الانقلاب العسكري لم يرض الثائرين، فأخذوا بِرصِّ صفوفهم، والدعوة إلى حكومة مدنية، إلى أنْ استجاب المجلس العسكري لمطالبهم، وتمَّ الاتفاق على أنْ يبقى المجلس العسكري مسؤولاً عن الأمن والدفاع، ويترك الحكم إلى حكومة وفاق مدنية بالكامل، وها هو السودان الآن ينعم بالهدوء والسلام، ويحسّن علاقاته مع الدول المجاورة، ومع الدول التي كانت تفرض عليه، ولمدّة عشرين سنة، العزل والمقاطعة والعقوبات، واعتباره إحدى الدول الراعية للإرهاب، دون أي دليل.
إنّ مطالب الثائرين والمنتفضين اللبنانيين، الذين نزلوا إلى الساحات اللبنانية كلّها منذ 17 تشرين الأول 2019، لا تختلف كثيراً عن مطالب الثائرين السودانيين، بل تتعداها إلى اعتبار المجلس النيابي غير شرعي بالمُطلق، وهي تتهم القيادات المتحكّمة بالتمثيل النيابي منذ عام 1992 حتى الآن بالفساد، همّها تجميع الثروات بطُرُق ملتوية، وباحتكارات مفضوحة إلى درجة جر لبنان إلى حالة الإفلاس، واختفاء أموال المودعين من المصارف اللبنانية، والى النقص الحاد في وجود العملة الصعبة، وبالتالي تدنّي قيمة العملة الوطنية أمام الدولار إلى الثلث، وأخيراً إلى عجز الحكومة عن تسديد ديونها الداخلية والخارجية على حدٍّ سواء، ناهيكم عن جائحة «كورونا» التي ألزمت الناس بالحجر المنزلي للأشهر الثلاثة الأخيرة.
فإنّ الثائرين متّفقون على وجوب تغيير الطغمة الحاكمة من وزراء ونوّاب، وتنظيف الجسم القضائي وجله مستقلاً بالتمام والكمال، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاكمة الفاسدين من سياسيين وموظفين، ووقف الهدر في إدارة الكهرباء وجمع ومعالجة القمامة، واستعادة الأملاك العامة البحرية والنهرية وغيرها من أيدي المتسلّطين، ووضع حدٍّ للاحتكارات، وحماية القطاعات الإنتاجية، توطئة لتحفيز الاستثمار فيها، وبالتالي استيعاب الكفاءات والعمالة الذين يشكّلون حالياً بطالة مؤلمة وخسارة كبيرة للاقتصاد الوطني، وغيرها الكثير.
فكيف لنا بالتغيير المنشود دون تغيير النظام، وبالمحافظة على الديمقراطية والتوازن والعيش المشترك، والإبقاء على الدستور الذي انبثق عن اتفاقية الطائف، التي أدّت إلى وقف الحرب الأهلية؟ سؤال كبير يحيّر أصحاب الفكر السياسي والاقتصادي.
من هنا، أرى أنه من الجائز، بل من الضروري، التعلّم من تجربة السودان، بحيث يتفق رئيس الجميورية مع ضبّاط من الجيش اللبناني يمثّلون الطوائف الست الرئيسة في لبنان، لتكوين مجلس عسكري لقيادة المرحلة الانتقالية، تكون مهمّته التالية:
1- حل مجلس الوزراء، وحل المجلس النيابي بصورة فورية.
2- مطالبة قياديي الثورة بتأليف حكومة مُتّفق على تكوينها من عناصر متعلّمة، كفوءة، ذات خبرة عالية في إدارة شؤون البلاد المختلفة، وذلك في غضون أسبوعين، وإلا يتولّى المجلس العسكري تأليف الحكومة.
3- تكون مهمّة الحكومة إدارة مرحلة انتقالية، مدّتها ستة أشهر فقط، تتولّى خلالها: إدارة شؤون البلاد، ووضع قانون انتخابي جديد يراعي مقرّرات الطائف والدستور.
4- الإشراف على انتخاب مجلس نوّاب جديد ومجلس شيوخ حسب منطوق اتفاقية الطائف واعتماد هيئات مدنية عالمية لمراقبة نزاهة العملية الانتخابية.
5- تكوين مجلس وزراء جديد منبثق عن تكليفات النوّاب المُنتخبين.
6- مطالبة قياديي الثورة بتأليف حكومة ظل، مهمتها مراقبة سلوك الحكومة، ومساعدة الوزراء في العديد من الإجراءات الواجبة لتصحيح كل الممارسات التي أدّت إلى انهيار الحكومة في تشرين الأوّل 2019.
7- تنتهي بذلك مهمّة المجلس العسكري، وتعود ممارسة السلطات المختلفة إلى استلام مهامها بموجب منطوق الدستور.
www.musafreiji.com