تتبّعتُ التاريخ السياسي في بيروت المحروسة، وفي لبنان، وأصدرتُ عدّة كتب في هذا المجال، كما تتبعتُ النفوذ والتدخّل العربي والاقليمي والدولي في الشؤون اللبنانية منذ عام 1943، لم أر في حياتي ما رأيته في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، وموضوع تشكيل الحكومات اللبنانية في السنوات الاخيرة، فهل يعقل أن يستغرق تشكيل الحكومة اللبنانية سنة او اكثر او اقل، في ظل اوضاع اقتصادية ومالية واجتماعية وادارية وصحية وسياسية هي اقرب الى الكارثة؟!
هل يعقل عدم تشكيل حكومة لبنانية في ظل: الانهيار الاقتصادي، انتشار البطالة، الهجرة المتزايدة للشباب اللبناني، اقفال المؤسسات الاقتصادية، صرف الآلاف من الشباب من الوظائف، ديون متراكمة على لبنان تقدّر بحوالى 100 مليار دولار اميركي، عدم توافر الكهرباء والمياه النظيفة، الفساد المتفشي بشكل لافت للنظر، تزايد نسبة انتشار السرطان بسبب الاهمال، تزايد السرقات وعمليات الاحتيال، إعلان الافلاسات، الاوضاع الصحية المتردية، الاوضاع الاجتماعية الخطيرة، تزايد نسبة التفاوت الطبقي بين الاغنياء والفقراء، تزايد نسبة الفقر بين جميع طبقات المجتمع، الكوارث السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتزايدة، كافة المشكلات الخطيرة التي لم يعد باستطاعة اللبناني ان يصمد في وجهها.
ايها السياسيون، ايها الحاكمون، ايها الحكام، ايها الزعماء، ايها المرجعيات والقادة وأولي الامر، اصحاب القرار اللبناني والعربي والإقليمي والدولي، إلى متى سيبقى لبنان بدون حكومة وبدون مرجعية تنفيذية؟، إلى متى سيبقى لبنان والشعب اللبناني خاضعا لأهواء ذوي النفوذ والمآرب الخاصة؟، إلى متى ستبقى امور لبنان مرهونة ومرتبطة بالقوى العربية والاقليمية والدولية؟، هل تريدون تشكيل حكومة بعد هجرة الشعب اللبناني بأكمله من لبنان؟، هل تريدون تشكيل حكومة بعد انهيار لبنان ماليا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وامنيا وتربويا وصحيا؟!
كفى كفى كفى، عودوا الى ضمائركم مرّة واحدة، فالشعب يريد تأمين لقمة عيشه وقوته وتأمين اقساط اولاده وفاتورة الطبيب او المستشفى لاسرته ويريد الاستقرار في لبنان ويريد تأمين وظيفة شريفة يعمل بها.
حرام، حرام، حرام ما تقومون به منذ اكثر من ثمانية أشهر الى اليوم. طبّقوا الدستور والقوانين المرعية الإجراء، فالشعب مستاء من التحليلات السياسية والاسباب والمبررات التي لا فائدة منها. عودوا الى ضمائركم ولتكن مصلحة لبنان والشعب اللبناني فوق مصالحكم الخاصة، وليتم تشكيل حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، كي تعود الدولة الى ممارسة دورها قبل انهيار لبنان نهائيا، وعندها لن تنفع المناصب والرئاسات والوزارات، ولن ينفع الندم او التبريرات ولا وضع اللوم على الآخر.