بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 تشرين الثاني 2020 12:02ص مجالس.. مزاريب.. هدر، تدقيق، عليك وإليك السلام!!

حجم الخط
نظرة فابتسامة فموعد فلقاء وحب ومن ثم «الله يبارك»..

الأمر هذا ينطبق على ما شهدناه يوم الجمعة الماضي، حيث بدأت النظرات بين السادة النواب وكل عين تغمز من قناتها، فيما توزعت الابتسامات ما بينهم حتى كادوا يصلون إلى العناق والقبل لولا خطر الكورونا. أما اللقاء فقد جمعهم في قصر الأونيسكو وليس تحت قبة البرلمان في ساحة النجمة حفاظاً على التباعد في ما بينهم لسبب أو لآخر، أما بما يتعلق بموعد تلك الجلسة فقد تحدد على عجل إثر تلقي المجلس الموقر رسالة من رئيس البلاد لمناقشة موضوع التدقيق الجنائي واتخاذ القرار المناسب بشأنه. هنا بدأت قلوب ممثلي الأمة تدق بسرعة، حتى كادت أصواتها تختلط على سامعيها للتمييز في ما بينها وبين جرس المجلس. أما وقد فعل الحب فعله في ما بينهم، فالحب بينهم «حدث ولا حرج»، بعدها بدأت المناقشات والمداولات وعلت الأصوات والخطب والكلمات، فضجت القاعة بجهابذة اللغة والأدب والتشريع والقانون، أما اللبنانيون فقد تسمروا أمام شاشات التلفزة وعبر أثير الإذاعات ومواقع التواصل المتعددة لكي يتابعوا مجريات الأمور وما يصول ويجول داخل أروقة المجلس، لسماع الخبر المفرح، عله يبلسم الجراح بشأن التدقيق الجنائي «اللهم انصره على أعدائه».

وبعد طول انتظار، وأخذ ورد وجدل ما بعده جدل، بدأ الدخان الأبيض يلوح في الأفق ويتصاعد من قصر الأونيسكو، حينها سمعت مطرقة دولة الرئيس تتناغم مع عبارة «صدق» وهنا كانت الفرحة الكبرى، اللهم نجنا من الأعظم.

دون كلل أو ملل وبعد جهد جهيد، أثلج السادة النواب صدور وقلوب اللبنانيين ووافقوا وتوافقوا على ما اتخذوه من قرار وتوصية ما بعدها قرار أو توصية، لا سيما وان عيون اللبنانيين كانت شاخصة نحو تلك الجلسة ومجرياتها حتى اللحظات الاخيرة، خاصة أولئك النّاس الذين لا تزال أموالهم محتجزة في المصارف وممنوع عليهم الحصول عليها ولو بالقطارة بالعملة الخضراء كما أودعوها هم حين اعتقدوا انه سيكون بامكانهم ذلك ساعة يشاؤون، لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، أضف إلى أولئك «الحشريين» من النّاس الذين يدخلون أنوفهم بما لا يعنيهم عندما ألحّوا ولجّوا على ضرورة معرفة كيف ومتى وإلى أين تمّ تهريب الأموال المنهوبة من لبنان إلى الخارج، وبالتالي هل بالإمكان اعادتها إلى البلد ولكن مجدداً متى وكيف؟ وكأنهم يتدخلون بأمور لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.

كل ذلك والوقت يمضي حتى بدأت الكاميرات والأضواء تُسلط على تلك الوجوه النيرة من ممثلي الشعب والأمة جمعاء، كل يدلي بدلوه عن الإنجازات التي حققها في موضوع التدقيق الجنائي وابراز ما يُمكن ابرازه من قدراتهم والمعارك التي خاضوها في هذا الشأن على طريقة «يا قاتل يا مقتول!».

لكن مهلاً أيها السادة، «تمخض الجبل فولد فأراً».. فالقرار أو التوصية التي اتخذت بنت مضمونها على وجوب إخضاع مصرف لبنان وجميع المؤسسات والمجالس والبلديات والصناديق والإدارات وغيرها للتدقيق الجنائي دون أن يذكر القرار أو التوصية من هي المؤسسة الدولية أو الشركة التي ستكون مولجة بهذا الأمر، لا سيما بعد أن «هشّلوا» شركة الفاريز ومارسال لعدم تسليمها الملفات والمستندات المطلوبة لتسهيل وإنجاح مهمتها، فغادرت تلك الشركة لبنان دون التطلع نحو الوراء، للانهماك بدرس ملفات وأعمال أخرى هي أجدى وأفعل بالنسبة إليها وللقيمين عليها، وهي بالتالي أهم من تدقيق غير دقيق وغير مدقق بدقة.

أما بالنسبة للمجالس والصناديق في لبنان، فهي عديدة عديدة، تكاد تعد ولا تحصى، علماً ان المجالس تبقى دائماً بالأمانات، وعلى سبيل المثال لا الحصر: المجلس النيابي، مجلس الوزراء، مجلس شورى الدولة، المجلس الدستوري، المجلس الوطني للإعلام، مجلس الخدمة المدنية، مجلس إدارة الضمان الاجتماعي، مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، مجلس إدارة كازينو لبنان، مجلس الإنماء والاعمار، مجلس الجنوب، مجلس إدارة بورصة بيروت، المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مجلس إدارة قطاع الاتصالات (أوجيرو)، مجلس إدارة حاكمية مصرف لبنان، مجلس إدارة اتحاد المصارف، مجالس إدارة المياه في بيروت والمناطق، مجلس إدارة شؤون السير، مجلس العمل التحكيمي، أضف إلى ذلك مجلس القضاء الأعلى والمجلس الأعلى للدفاع، مع عدم نسيان أو تناسي الدور الهام والفاعل لكل من التفتيش المركزي وديوان المحاسبة.

كما وان هناك العديد من الصناديق والهيئات التي تُعنى بالشأن العام أيضاً كصندوق المهجرين والهيئة العليا للاغاثة وغيرها.

أما لماذا ذكر أسماء مثل تلك المجالس والمؤسسات فهو للاضاءة على دورها وطبيعة عملها كل بحسب مقتضيات الأمور التي تتناسب مع الواقع ومتطلباته.

اذاً، فيما لو قررت أي شركة أو مؤسسة دولية الخوض في غمار ملفات وحيثيات وأسرار وألغاز مثل بعض تلك المؤسسات والمجالس والصناديق على أهميتها، ترى كم سيستغرق ذلك من وقت للنجاح في تلك المهمة، وكيف يُمكن التدقيق الجنائي أو الحسابي أو المالي أو التقني، لكي يثمر ويسفر عن النتائج المرجوة منه حين لا يجد تجاوباً من مصرف لبنان مثلاً لاعطائه المطلوب من المستندات والملفات أو من غيره للسير قدماً في مهمته حتى آخر المطاف.

ما حدث يشبه إلى حدّ كبير لعبة تبادل الكرة بين لاعبين مخضرمين في مباراة لكرة القدم على سبيل المثال، فرسالة من رئيس البلاد توجه إلى المجلس النيابي، ومن ثم قرار من المجلس المذكور وتوصية إلى الحكومة التي هي مستقيلة ويقتصر عملها على تصريف الأعمال، والتي لا يحق لها بحسب القوانين المرعية الاجراء التعاقد مع شركة أو مؤسسة دولية جديدة للسير بالتدقيق الجنائي، وبمعنى آخر «من هالك إلى مالك إلى قباض الأرواح»...

مع الإشارة إلى أن آراء قانونية تعتبر أن هناك اجتهاداً يتعلق بهذا الشأن يسمح لحكومة مستقيلة تصرّف الأعمال ابرام عقد مع شركة أو مؤسسة ما لهذه الغاية، لكن شتان ما بين القانون والاجتهاد لأن الأول يتمسك بمواده وبنوده مع أرقامه التسلسلية والتواريخ بصرامة وحزم، فيما الاجتهاد يبقى موضعاً للتأويل والتفسير والتفتيش والبحث عن مخارج وحلول من هنا وهناك للوصول إلى الغاية المنشودة مع إمكانية الطعن من قبل أصحاب المصالح أياً تكن تلك المصالح ضد ذاك الاجتهاد إما أمام المجلس الدستوري وإما أمام المحاكم القضائية المختصة على اختلاف أعمالها ومهامها شرط أن يتناسب اللجوء إليها في الطعون تلك مع طبيعة عملها طبعاً.

في ظل هذا الجدل، الذي شهدناه بعد انتهاء جلسة مجلس النواب الأخيرة بين من صفق وهلل واغتبط للإنجاز الذي حصل بالنسبة لهم، معتبراً ان المجلس قد أدى قسطه للعلى على هذا الصعيد ورفع عن كاهله مسؤولية همّ كبير، وبين من اعتبر ان السادة النواب كل بحسب تياره أو حزبه أو انتمائه أو هواه السياسي والحزبي قد عمل حتى أضناه التعب و«زرزب عرقاً» ذكر النّاس بمزاريب الهدر والصفقات والسمسرات والسرقات ولم يكن ينقص السادة النواب لدى خروجهم من قصر الأونيسكو الا رفع شارة النصر بالإصبعين نحو الأعلى للإيحاء للبنانيين انه يُمكن الاتكال عليهم وقت الشدائد والملمات كما المهمات الصعبة والمستحيلة. فكيف بالأحرى إذا كان الأمر يتعلق بالتدقيق الجنائي وهو لب المشكلة ويتوقف عليه مصير اللبنانيين وأموالهم المنهوبة والمحتجزة أو المهربة إلى الخارج وهي جنى عمرهم وملاذهم الأول والأخير؟.

أخيراً على جميع من يعنيهم الأمر من المسؤولين والسياسيين والحكام في بلد الأرز لبنان ان يعلموا علم اليقين، وهم يعلمون ذلك جيداً مع الإصرار والتأكيد، ان الأموال التي تمّ تهريبها إلى الخارج لتسوح في المصارف هناك في حساباتهم وحسابات أسرهم الشخصية هي معلومة بالقيود والأسماء والأرقام والتواريخ والعناوين والتحويلات من قبل الدول التي تمّ تحويلها إلى مصارفها، لذلك لا بدّ للبنانيين الذين باتوا لا يثقون بمسؤوليهم وسياسييهم ان يحاسبوهم يوماً ما على ما أوصلوهم وأوصلوا البلاد إليه من شفير للهاوية، فالحساب قادم لا محالة قريباً وان غداً لناظره قريب.