بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 كانون الأول 2018 12:00ص محاولة إسقاط التكليف.. لعبٌ بالنار

حجم الخط
شكّل الموقف الأخير لرئيس الجمهورية، الفصل الأخطر في ملف تأليف الحكومة، من خلال بيان المكتب الإعلامي في الرئاسة الأولى، الذي جاء فيه إنّه «إذا ما استمر تعثّر تشكيل الحكومة، فمن الطبيعي أن يضع فخامة الرئيس هذا الأمر في عهدة مجلس النوّاب، ليُبنى على الشيء مقتضاه». 
ويرتكز رئيس الدولة على الصلاحية الدستورية المعطاة له، بموجب البند العاشر من المادة /٥٣/ من الدستور، التي نصّت على أنّ رئيس الجمهورية له أنْ «يوجّه عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النوّاب».
وفي هذا السياق، هناك مروحة من التفسيرات حول ما هو «ضرورة» يستدعي مراسلة البرلمان، أما إذا كانت الغاية من توجيه رئيس الدولة رسالة الى مجلس النواب هو وضع ملف تأليف الحكومة المتعثّر إلى الآن في عهدة مجلس النوّاب، فيمكن اعتبار هذه المعالجة خارجة عن السياق الدستوري في عدّة نواحٍ. 
أوّلها، إنّها تخالف أحكام البند الرابع من المادة /٥٣/ من الدستور، التي حدّدت أنّ مسألة تأليف الحكومة صلاحية مشتركة تتمّ بالاتفاق بين رئيس مجلس الوزراء المكلّف ورئيس الجمهورية، دون تدخّل طرف ثالث، كما أنّ ذلك يشكّل خرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، المشار إليه في الفقرة /هـ/ من مقدّمة الدستور. 
وثانيها، إنّ مثل هذه الخطوة تنقل أزمة تشكيل الحكومة إلى مجلس النوّاب، غير المخوّل النظر بهذا الأمر، ولا التدخّل في آلية تشكيل الحكومة، ذلك لأنّ مهمة المجلس تنتهي بانتهاء الاستشارات الملزمة لتسمية الرئيس المكلّف، ثم يستأنف دوره فقط عند عرض الحكومة بيانها الوزاري كي تنال الثقة منه، وبعد ذلك في سياق دور المجلس الرقابي على تنفيذ البيان الوزاري.
وذهب البعض في استقوائه وممارساته المتمادية إلى درجة التلويح بإسقاط تكليف رئيس الحكومة المُكلّف، بالاستناد الى تفسيرٍ مُختلق للفقرة / و/ من البند الأول من المادة /٦٩/، التي تتيح لمجلس النوّاب أنْ ينزع الثقة من الحكومة بعد التأليف، فيقوم بترويج اجتهاد متحذلق مفاده إنّه إنْ كان يحق دستورياً لمجلس النوّاب نزع الثقة من الحكومة ورئيسها بعد التأليف، فمن البديهي أنْ يحق للمجلس سحبها قبل التأليف.
وما هذا الاجتهاد سوى هرطقة وهذيان، ذلك أنّه ما من نص دستوري يقيّد الرئيس المكلّف بمهلة للتأليف، ولا وجود لسياق دستوري يسمح بسحب التكليف منه. والوسيلة الوحيدة لإنهاء التكليف هي اعتذار الرئيس المُكلّف بإرادته.
وبالتالي ليس لرئيس الجمهورية ولا المجلس النيابي أنْ يسحبا تكليف الرئيس الحريري، إلا في ظل محاولة خرق فاضح للدستور، بهدف تسجيل سابقة جديدة، تصبح في ما بعد عرفاً، وهذا التصرّف سيكون بخلاف النيّة التي قصدها المشرّع، وتُصيب صُلب الدستور، وموقع الرئاسة الثالثة، ومن خلاله الطائفة السنيّة.
أمام هذا المشهد الخطير، والنوايا المُبيّتة، فإنّ النوّاب مدعوون للتصدي لأي محاولة لإسقاط التكليف عن الرئيس الحريري، لئلا تشكّل هذه الحالة الخاطئة عرفاً دستورياً يترسّخ في الحياة الدستورية، ووصمة وخطيئة تزعزع اتفاق الطائف، خصوصاً أنّ ذلك يُعدّ انتقاصاً فاضحاً لصلاحيات الرئاسة الثالثة، من شأنه إنْ حَصَل أنْ يستمر في كل العهود والحكومات اللاحقة. 
وفي الختام، كلامٌ موجّهٌ إلى كل مَنْ يسعى لإعادة خلط الأوراق الحكومية، بهدف تثبيت توازن يكون لمصلحته داخل الحكومة العتيدة، والحكومات المقبلة، بغض النظر عن مصلحة الوطن والمواطنين، إلى هؤلاء المتحذلقين أقول.. الزمن دوّار.. وحذار اللعب بنار الفتنة!