بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 حزيران 2020 12:01ص محسن إبراهيم.. غاب مع انكسار الحلم

حجم الخط
 لم يرحل محسن إبراهيم (85 عاماً) في ظلمة من ليل أمس، الرحيل القاسي يعود الى سنوات طويلة مضت، هو رحيل قد يؤرخه انكسار حلم «أبو خالد» في مشروع قومي يبعث الأمة من واقع الهزيمة أمام الاستعمار والتقسيم والتبعية.

غاب محسن ابراهيم حين فشل مشروع النهوض الوطني والقومي الذي نذر له نفسه بعد نكسة العرب العام 1967. السليل المتمرد لعائلة دينية محافظة حاول ومجايلوه إنهاض أمة العرب عبر مشروع يساري نهضوي انبثق عن «حركة القوميين العرب» التي رافقت الزعيم العربي جمال عبد الناصر، ثم افترقت عنه على مضض ليرثها اليسار الحالم على الضفتين الفلسطينية واللبنانية. 

وبرغم أن الرجل قام بمراجعة للحرب اللبنانية وانخراط «منظمة العمل الشيوعي» التي أسسها على أنقاض تلك الحركة وتزعمها، و«الحركة الوطنية» التي كان من مؤسسيها في بداية السبعينيات ولولبها و«رئيس حكومتها»، في محاولة حالمة لقلب النظام اللبناني الفاسد، إلا أن اليسار بمعناه التحرري وعمقه التوعويّ والثقافي في لبنان والعالم العربي يدين بالفضل للرجل ولمجايليه.

مع ضرب المشروع عسكرياً منذ العام 1976، ومن ثم أفوله سياسياً في مرحلة ما بعد الخروج الفلسطيني من لبنان العام 1982 الذي كان يشكل رئة «منظمة العمل»، بدأت مرحلة انحدار المشروع الذي نذر ابراهيم نفسه له. 

ومنذ ذلك الحين الذي أسس لصعود العصبيات الطائفية والمذهبية وسط سعار دموي لخدمة مشروع الاقتتال الأهلي وتصفية القضية الفلسطينية، يمكننا انتقاء أي تاريخ لوفاة الرجل الذي اختار التقليل من إطلالاته فظهر في بعض المناسبات المطلبية والنقابية التي لم تخل من السياسة في تسعينيات القرن الماضي خلال مرحلة صعبة ومخاصمة له داخلياً وإقليمياً.

اختار الرجل الانزواء في شبه عزلة خرقها لمرات نادرة عبر إطلالات قليلة في مناسبات ذات رمزية كان أعزها على قلبه تلك التي تتعلق بالزعيم الوطني كمال جنبلاط، رفيقه في النضال.. والهزائم، لكن صنوه في حركة الإحياء الوطنية والقومية ولو بعد حين. 

ثم كانت المراجعة الشهيرة التي أجراها «أبو خالد» لمسار كامل اعتبر الراحل أنه ومجايليه قد ألقوا على الوطن حملاً يفوق طاقته. أعلن عن ذلك بعد قليل من فقدان رفيقه في النضال جورج حاوي، ولقي عليه إشادة لدى شرائح واسعة في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان، مثلما رُفضت المراجعة من المتمسكين بالقضية التي بذلوا لها كل غالٍ وإن كان ثمن ذلك العام 1975 اندلاع حرب فرضت عليهم من دون وعي مآلاتها وكوارثها. 

كان منذ البدء فلسطيني الهوى، وبرغم التصاق اسمه باليسار الفلسطيني، فإنه انتهى فتحاوياً ومقربا من الزعيم الراحل ياسر عرفات حتى انتقده كثيرون لمناصرته طرفاً ما في القضية الفلسطينية من دون وجه حق.

لكن مهما كان الأمر وأياً كانت المآخذ على محسن ابراهيم، فقد بقي ذلك المناضل والمفكر والسياسي والقطب العروبي حتى الرمق الأخير، ملتزماً بالقضية الفلسطينية التي وهبها عمره ومات دون رؤية تحرير ترابها. 

وفي الخصال الشخصية، كان الرجل دمث المعشر، عذب اللسان وسريع الدعابة مهما كان الظرف قاسياً، وذلك ما قرّبه من الخصم قبل الصديق، ومن الكاره قبل المحب، وسيبقى على التاريخ محاكمة الرجل أو تقليده وسام النضال.

برحيل محسن ابراهيم، يفقد العرب أحد أهم رموزهم التاريخيين الذين حفروا عميقاً في وجدان أمة لا تزال تبحث.. عن محرر.