بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 أيلول 2020 09:06ص مرتزقة الرصاصة والقلم

حجم الخط

كثيراً ما يتبادر الى الذهن عند سماعنا خبر الإغتيالات والأعمال الإرهابية سؤال عن ماهية شخصية منفذي هذه العمليات، من ناحية استهدافهم الأبرياء بوعي تام وإرادة صلبة لا تتردد في القتل بدم بارد وغياب تام لرادع الأخلاق وتجرد كامل عن نداء الضمير.

في إحدى الأبحاث الأكاديمية الحقوقية التي نشرتها جامعة Louvain سنة 2016 للباحثة في تخصص علم الإجرام جيستين كينتين تناولت موضوع الذين يمارسون القتل بصورة متكررة بلا سبب أو لأسباب مرضية دون أن تربطهم بمن يقتلونهم دوافع شخصية معينة تستوجب قتلهم. من أجل فهم كيفية أداء هؤلاء الأفراد لأعمال مثل هذه الفظائع، حدد بعض الباحثين في علم الإجرام ثلاث فئات من العوامل التي تسهم في وجود هذا النوع من القتل : الاستعداد النفسي الذاتي، والمحفزات التي ينتظرونها، والعوامل الميسرة لارتكاب هذه الجرائم. وأيا يكن لوجود هذا العوامل إلا أنه يلاحظ دائماً وجود ميول تدفع المجرمين إلى ارتكاب مثل هذه التصرفات. فمن بين هؤلاء نجد أن لديهم درجة عالية من الإحباط، إضافة الى العديد من حالات الفشل والإذلال طيلة حياتهم. هذه العناصر المختلفة يمكن أن تجعل هؤلاء المجرمين يشعرون بالاكتئاب والضياع وفقدان الأمل. ومع ذلك، فإن القتلة لا يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن إخفاقاتهم بل يحملونها للآخرين ويلومونهم عليها. لذلك فالعديد من هؤلاء القتلة هم بشكل عام من فئة عمرية متقدمة لأنه من الضروري تجميع عدد كبير من خيبات الأمل لتحقيق إحساس بالإحباط المرتفع بما يكفي للتسبب في القتل. ومع ذلك، فمن الممكن أيضًا أن يكون الإحباط ليس السبب الجذري للاكتئاب. في الواقع ، يمكن أن يكون لهذا الأخير سبب بيولوجي أو فيزيولوجي عضوي، أو تربوي. دون أن نتوقف على نظرية الطبيب الإيطالي لومبروزو الذي يعطي للمجرمين صفات في الملامح الخارجية للوجه من شكل الأنف والجبهة والرقبة.

هذا الموضوع قادني الى محاولة فهم النفسية الإجرامية للقتلة المأجورين الذين يسعون الى القتل لقاء المال أو المحفزات المعنوية أو المهنية أو بسبب اعتناق بعض العقائد الدينية، غير أن هذا الهدف مع أهميته لا يعتبر مبرراً للعامل الإجرامي للقتل. فالفعل الإجرامي يبقى هو القتل والإدراك التام بإراقة دم شخص بريء مهما سولت للقاتل نفسه من مبررات للقتل. ويدخل هنا أيضاً قتله لأشخاص معروفين ولكنه يجد المبررات لقتلهم وتحميلهم قسماً من مشاكله الشخصية أو المهنية، فالقاتل في كل هذه الصور مكتئب فاشل باع ضميره ودينه وخلقه من أجل إشباع غريزته في إيذاء الآخرين سواء مقابل منفعة مادية صرفة أو أوجد لنفسه مبررات إضافية لإيذائهم.

في مقال كتبته باللغة الفرنسية ونشرته جريدة اللوريون لوجور في 16 كانون الأول 2015 بموضوع الذين يقتلون باسم الله، تطرقت الى الحركات الصهيو مسيحية في اميركا وكيف قتلوا باسم الله ملايين الأبرياء في أفغانستان والعراق، وأعلنها الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الإبن بأنه هذه الحروب في الشرق الأوسط هي استمرار للحروب الصليبية. وقد سبقتهم اليها إحدى الفرق الإسماعيلية المعروفة بالحشاشين، التي أرعبت الشرق الأوسط خلال ثلاثة قرون ابتداء من القرن الحادي عشر. كانت هذه الجماعة تقوم بتدريب فئة شبابية على الإغتيالات ويضعونهم في سراديب قلعة الموت ثم يجعلونهم يتعاطون المخدرات وفي فترة نشوتهم الذهنية يضعونهم في اودية فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يعيدونهم الى زنزاناتهم ويقنعونهم بأن ما شاهدوه وتذوقوا حلاوته كان في الجنة، وحتى يعودوا اليها لا بد لهم من اغتيال احدى الشخصيات التي يريدون قتلها والإنتحار بعدها مباشرة. فالقاتل في هذه الأمثلة هو قاتل مأجور لحساب قائده الذي يطيع أوامره بلا تردد، والثمن المقابل هو دخوله مباشرة الى الجنة.

ولعلي أعرج على قائمة الذين يقومون بتأجير أقلامهم لمهاجمة أو انتقاد الآخرين سواء بطلب من الأشخاص الذين يختبئون دائماً وراء الستار أو مقابل الحصول على المال أو تزلفاً لهم. فهؤلاء من باب أن القلم يكون في بعض الأحيان أشد فتكاً من الرصاصة، تنطبق عليهم شخصية القاتل المأجور الذي يشحذ قلمه ويسيل لعابه عند كل موقف – مدحاً أو نقداً - يجد له فيه منفعة للشهرة أو التزلف أو طمعاً في الحصول على ترقية او منصب أو الحصول على جوائز ترضية. هذه المقارنة ليست من قبيل المبالغة مطلقاً، فكم من شخصيات سياسية معروفة أقدمت على الإنتحار بسبب ما خطته بعض الأقلام المأجورة عليها. هؤلاء المتزلفون المأجورون، مهما سوّلت لهم أنفسهم من مبررات ينطبق عليهم ما سبق ذكره عن ميول المجرمين القتلة من حيث أن لديهم درجة عالية من الإحباط والرغبة في الإنتقام، إضافة الى العديد من حالات الفشل والإذلال طيلة حياتهم السابقة، مع ما تجمع لديهم من خيبات أمل قديمة أنتجت لديهم شعوراً بالإحباط المرتفع بما يكفي للتسبب في دفعهم للكتابة ونشر المقالات والإفتراءات. هؤلاء "المرتزقة" الذين نعرفهم من سيماهم يقال عنهم في لغة النفاق ومسح الجوخ بأنهم بارعون في نقل البندقية من كتف إلى كتف.