بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الأول 2017 12:39ص مزالق التفرُّد

حجم الخط
الجو المشحون الذي يلف المشهد السياسي قبل أيام قليلة من موعد انعقاد الجلسات التشريعية لمناقشة وإقرار مشروع قانون الموازنة العامة، عكس نفسه في مداخلات عدد من النواب التي غمزت كلها من قناة وزير خارجية العهد جبران باسيل من دون ان تسمّيه محملة اياه مسؤولية نبش الماضي الأليم الذي مرّ على لبنان في السبعينات والثمانينات ودفع اللبنانيون ثمنه دماً سخياً وتهجيراً متبادلاً. وفيما بات معلوماً، فإن هدف التصعيد انتخابي بإمتياز الا انه بات يضع على المحك علاقات عدّة قوى تلاقت مع بعضها حول التسوية الرئاسية التي اوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا واوصلت الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء على رأس حكومة شارك فيها كل الفرقاء بإستثناء حزب الكتائب الذي اختار طريق المعارضة.
فبعد الرد العنيف الذي جاء من عضو كتلة نواب المستقبل وزير الداخلية نهاد المشنوق على تفرد رئيس الحزب الحاكم الوزير جبران باسيل بالسياسة الخارجية، وتوريط الحكومة في مواقف جد محرجة، كما فعل عندما اجتمع مع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في نيويورك بناء على طلبه من دون أي تنسيق مسبق، وحتى من دون علم رئيس الحكومة المسؤول الأول - حسب الدستور - عن سياسة الحكومة ومنها بطبيعة الحال السياسة الخارجية، وأيضاً، عندما أوعز إلى مرشحة لبنان للأونيسكو بالتصويت لمصلحة مرشّح دولة قطر ضد مرشحة دولة مصر من دون أي تنسيق مع رئيس الحكومة، عاد من قلب الشوف، يفتح جروح حرب الجبل بين الطائفة المسيحية وطائفة الموحدين الدروز قافزاً فوق مصالحة الجبل بقيادة الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والزعيم وليد جنبلاط، ويطرح معادلات جديدة استفزت الجميع حتى الرئيس الأسبق أمين الجميل الذي وجد نفسه مضطراً للرد عليها محذراً من اللعب بالنار.
وليس بعيداً عنه كانت للقيادي في حزب القوات اللبنانية النائب انطوان زهرا مواقف في مجلس النواب لا تقل حدة عن مواقف الرئيس الجميل حيث رأى ان إنجازات ومحطات بحجم التاريخ، صنعها كبار على رأسهم البطريرك صفير المس بها ممنوع ولا نقبل بأن تكون محل جدال أو مراجعة.
هذا المشهد البارز على الشاشة السياسية نتيجة المواقف الهجومية لرئيس الحزب الحاكم والتي أصابت الحلفاء قبل الخصوم بل شظت التسوية السياسية التي يعمل رئيس الجمهورية على المحافظة عليها، وكان آخر ما فعله استدعاء سفراء الدول الخمس وممثّل جامعة الدول العربية، وممثلة الاتحاد الأوروبي ووضع بين أيديهم ملف النازحين السوريين والأعباء الكبيرة التي يتحملها لبنان والتي لا طاقة له عليها، وذلك في خطوة اعتبرت التفافاً على الوزير باسيل الذي تدفعه عنصريته إلى اتخاذ مواقف عدائية ضدهم تحدث شرخاً في الجسم اللبناني كما هو واقع الحال اليوم. هذا المشهد خلق في البلاد أجواء مشحونة، بات من الصعب على رئيسي الجمهورية والحكومة المتفاهمين على الحفاظ على التسوية التي تعني قبل أي أمر آخر الحفاظ على الاستقرار السياسي بتحييد أو بالابتعاد عن المسائل الخلافية ووضعها جانباً والتركيز على إدارة شؤون البلاد، لجهة معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية وتحفيز النمو، إلى التركيز على تفعيل عمل المؤسسات، ووضع حدّ للفساد المستشري في كل زاوية من زوايا الإدارات العامة، ووقف أو الحد من هدر المال العام وصولاً بعد مدّة الزمن إلى التوازن من جهة وارتفاع مستوى النمو من جهة ثانية وتركيز مداميك الدولة الحديثة في عالم الحداثة، وهذا ما يعترف به في المجالس الخاصة حتى أقرب المقربين إلى رئيسي الجمهورية والحكومة، ما دام هناك فريق يدعي انه منتصر ويتعامل مع الآخرين على هذا الأساس، ولا يعترف بأن سياساته ستجعل الكل مهزومين؟!