بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 حزيران 2018 12:00ص مزحة العودة الطوعيّة!!

حجم الخط
أصدر مجلس الأمن الدولي بتاريخ 18 كانون الأول 2015 القرار رقم  2254 حول سوريا، تطرّق فيه إلى مسألة اللاجئين السوريين، حيث جاء في الفقرة 14 من القرار، أنّ مجلس الأمن «يؤكد الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المؤاتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليا إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضرّرة».
ثم يُرسّخ مبدأ العودة الطوعية للاجئين: «يرغب معظم اللاجئين في العودة إلى ديارهم. وعندما تكون الظروف في بلد المنشأ مواتية للعودة، تستلزم الاستجابة الشاملة وتوفير وسائل تسمح بعودتهم ضمن إطار مناسب يضمن سلامتهم البدنية والقانونية والمادية». 
لكن القرار وضع شروطاً لتلك العودة الطوعيّة، منها: «يجب أن تهيِّئ بلدان المنشأ أيضاً الظروف اللازمة للعودة المستدامة من خلال إدراج الإحتياجات المتعلقة بإعادة الإدماج ضمن الخطط الإنمائية الوطنية، وكذلك من خلال منح العفو، وتوفير ضمانات في مجال حقوق الإنسان، واتخاذ تدابير لإتاحة إعادة الممتلكات».
طبعاً لم نسمع أي صدى دولياً للمناشدات والمطالبات والاقتراحات اللبنانية المتتالية والمتواصلة بخصوص اللاجئين السوريين على أراضيه، وخصوصاً اقتراح إقامة مخيّمات للنازحين في المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية، ولا أي توضيحات جازمة بخصوص التعقيد والغموض في بنود القرارات والتقارير الدولية، على سبيل المثال تعبير «العودة الآمنة والطوعية».
لقد صار واضحاً أنّ دول أوروبا تعتبر قضية اللاجئين السوريين إليها همّاً أمنياً وسياسياً بامتياز، وتحاول جاهدة منع تحوّلها إلى أزمة داخل المجتمع الأوروبي، وذلك عبر تثبيت اللاجئين في دول جوار سوريا.
وعليه، فإنّ الاتجاه هو تثبيت اللاجئين السوريين في لبنان، عبر منحهم امتيازات فيه، ما يجعلهم غير راغبين بالتسرّب منه إلى أوروبا بحثاً عن فرص حياة أفضل. والغرب يستخدم دائماً كلمة «توطين» مع تقديم إيضاحات عن أنّ معناها ليس تصفية فكرة عودة اللاجئين إلى بلدهم أو تحوّلهم إلى مواطنين في البلد المُضيف، مع التشديد والتكرار على أنّ هذه «العودة يجب ألا تحصل بالإكراه».
لكن الحقائق تتّضح حين نرى أنّ تفريغ محيط العاصمة دمشق ومناطق الحدود السورية - اللبنانية من طوائف وفئات مُعيّنة من السوريين، قائم على قدم وساق، وضمن خطّة مقصودة وممنهجة تحت عنوان «سورية المفيدة»، حيث يتم تهجيرهم إلى خارج سوريا أو إلى شمالها، إضافة إلى صدور قرارات مقلقة ومشبوهة مثل القرار الأخير الذي حمل الرقم 10.
واقع الأمر، وفي آخر المطاف، سوف يُخيّر اللاجئ السوري في لبنان بين العودة إلى سوريا إلى مكان آخر غير مدينته أو قريته أو مسقط رأسه، وضمن ظروف مجهولة وتوقّعات مُبهمة بالنسبة إليه، ووعود وتقديمات قد لا تتحقّق، أو البقاء في لبنان!
بالله عليكم، كيف يعود اللاجئ السوري إلى سوريا طوعاً، والحالة هكذا، وبعد أنْ خسر كل شيء في موطنه؟ على الأقل هو في لبنان قد استقرَّ ورتّب أموره بشكل أو آخر منذ سنوات عديدة، وهو في بلد لا تُشكّل فيه اللغة أو العادات أو الديانة أو الثقافة تبايناً ملحوظاً، وقد تمّت العديد من الزيجات والمُصاهرات المُختلطة في هذه الفترة. كما أن العديد من اللاجئين السوريين اشترى عقارات، وأضحت لديه أعمال تجارية، أو يعمل بأجر لدى الآخرين، والآخرون تتكفّل بهم المنظّمات الدولية أو الجمعيات الأهلية أو الوزارت اللبنانيّة المعنيّة.
ولنا في لبنان عبرة ومثال صارخ: هل عاد المهجّرون اللبنانيون إلى قراهم ومنازلهم بعد أنْ استقرّت الأمور، وتحديداً في المناطق حيث تمّت المُصالحات ودُفِعَتْ كامل التعويضات؟!
يجب أنْ تعمل جميع الجهات المعنيّة، بأقصى الجهود، على تشجيع عودة اللاجئين إلى بلادهم عبر التسهيلات والإغراءات والإعفاءات، وأنْ تقتصر المساعدات والتقديمات حصراً على اللاجئين في بلادهم وليس في البلد المُضيف.
إنّ الوضع الحالي دقيق ويستلزم، وعلى وجه السرعة، موقفاً وإجماعاً لبنانياً رسمياً وشعبياً موحّداً، وعدم التسرّع بأخذ المواقف والقرارات المنفردة كما يحصل حالياً من قِبل بعض السياسيين.. أليس، والحال هكذا، يُمكننا القول إنّ العودة الطوعيّة للسوريين .. مزحة سمجة!!