بعد النتائج المقبولة – نسبياً - لعملية فتح المصارف بالأمس حيث شهدت هذه المصارف إقبالاً إستثنائياً من الجمهور استطاعت إستيعابه بالاستناد إلى حرفيتها ووعي المودعين، صار من البديهي الاستمرار في هذه العملية لكن مع تعديل لبعض شروطها ومقارباتها كي تؤتي ثمارها في تلبية حاجة الأسواق وإستعادة الثقة، ولو جزئياً، رغم شلل السلطات الدستورية وفشلها حتى الآن في تفعيل الحياة السياسية وإجراء الاستشارات الإلزامية لاختيار رئيس الحكومة المكلّف.
وهذه التعديلات التي تطرح نفسها في القطاع المصرفي ينبغي مناقشتها في الدوائر المعنية وعدم تركها لطرف واحد. ونقطة البداية في هذا السياق تتمثل بضرورة الإعلان عن الحقائق كما هي في زمن لم يعد ينفع فيه التستر أو التمويه، لا سيما وأن الإطلاع على هذه الحقائق أصبح متوافراً أكثر من ذي قبل لأسباب لا تخفى على كل من يعيش داخل العصر. علماً بأن الإعلان عن الحقيقة يهدّئ من روع المواطنين بينما التستر عليها يلهب الهواجس والتخمينات والإشاعات التي تفاقم من حدة الأزمة في زمن المكابرة والفساد.
وتأتي في المقام الثاني ضرورة التحسّب من أي خطوة ناقصة متناقضة مع نفسها كما حدث عندما قلّل حاكم البنك المركزي من شأن الازدواجية في سعر الصرف ونفى إمكانية فرض قيود على السحوبات والتحويلات لتأتي معطيات الواقع وقرارات جمعية المصارف معاكسة لذلك مما يفرض التأنّي والتنسيق المسبق قبل إصدار المواقف تفادياً للبلبلة والاصطياد في الماء العكر.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية وضرورة التفكير جديّاً برفع سقف السحوبات والتحويلات بنسبة وازنة لتمكين المودعين من دفع ما يترتب عليهم بما يترك أثراً إيجابياً على الأسواق ويساعد على تزخيم الدورة الإقتصادية التي أصابها الشلل.
إلى ذلك من المصلحة أيضاً رفع مستوى السحوبات والتحويلات للصناعيين ورجال وسيدات الأعمال والتجار وأهالي الطلاب لتمكينهم من تسديد جزء من التزاماتهم وإستئناف أشغالهم بصرف النظر عن جمود الحركة السياسية وتعنّت الطبقة الحاكمة التي لا تزال تراهن على تعب أهل الانتفاضة أو انقسامهم على بعضهم البعض.
ومقابل هذه الخطوات وبالتزامن معها لا بد للسلطات المتخصصة من التأكيد الفعلي على المصارف لإستعادة جزء من ودائعها الخارجية لتعزيز سيولتها وتمكينها من التعامل مع الأزمة الراهنة. إلى ذلك يفترض بأصحاب البنوك وكبار المساهمين الذين أثروا على حساب المودع اللبناني أن يتوقفوا فوراً عن سحب ودائعهم وتحويلها إلى الخارج تحت طائلة المسؤولية. وهنا ينتظر اللبنانيون تفعيل لجنة الرقابة على المصارف وهي دائرة أساسية في البنك المركزي تعيّنها الحكومة بناء على تسمية وزير المالية ومهمتها الرقابة والتدقيق بصحة وسلامة القطاع المصرفي في مرحلة أصبحت فيها صدقية المصارف على المحك محلياً وخارجياً.
ينبغي أخيراً أن نسأل حاكم البنك المركزي لماذا تعرضون تسليف المصارف دولارات بفائدة عشرين بالمئة وليس بفائدة خمسة عشر بالمئة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تدابير واقعية تلجم سعر الفائدة المرتفع وتحتوي في الوقت نفسه شبح التضخم الذي بدأ يطلّ برأسه مهدّداً لقمة المواطن ومدخراته...