بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 شباط 2019 12:14ص مكافحة الفساد أية أدوار وأية أهداف سياسية؟!

من الحرب الكلامية إلى الآليات التنفيذية

حجم الخط
احتلت الحرب الكلامية لاستئصال منظومة الفساد، التي ضربت جذورها على نحو مستحكم في بنية النظام السياسي والاقتصادي اللبناني، لا أدري منذ متى، ولكن نشاط هذه المنظومة، انطلق على نحو مخيف في السنوات العشرين الماضية، مسهماً، على نحو مكشوف في نهب الدولة اللبنانية، ورفع منسوب المديونية، إلى رقم لا يُمكن لأحد أن يتصوره يتراوح بين 86 مليار دولار، ولا يقل عن 90 مليار دولار، الأمر الذي جعل منظمات الأمم المتحدة للشفافية ان تحجز موقعاً للبنان بين الدول العشرين الأولى في التعرّض لأهوال الفساد، أو الدول الفاسدة.. احتلت هذه الحرب أوجها عشية منح حكومة الرئيس سعد الحريري الثقة شبه الكاملة من قِبل المجلس النيابي، وهي الحكومة رقم 2، التي يشكلها في عهد الرئيس ميشال عون، الذي تحوَّل تكتله من «الإصلاح والتغيير» إلى «لبنان القوي» بعدد وافر من النواب، لم يشهد التاريخ لحزب مسيحي أن يتمكن من ان يحصد ما يقرب من نصف عدد النواب المسيحيين، الذين نصَّ عليهم دستور الطائف، الذي يحكم الرئيس عون بموجبه، وأقسم على احترامه، مع ان الطائف ودستوره، انعقد على خلفية وضع حدّ لآخر دستور اوصل «الجنرال» إلى سدَّة الحكم مع نهاية عهد الرئيس أمين الجميل عام 1988، وما تلا ذلك من أحداث، لا سيما بعد انقسام حكومة العماد عون، بوصفه قائداً للجيش اللبناني، وانسحب الضباط الوزراء المسلمون منها، على الفور، بعد رفض واضح وصريح من كل من رئيس حركة «امل» آنذاك نبيه برّي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ومعهما سليمان فرنجية الجد، وأحزاب ما تبقى من حركة وطنية، مدعومين من القيادة السورية، بزعامة حافظ الأسد (رئيس سوريا 1970 - 2000).
في الانتخابات النيابية، وعشية التحضير لإجرائها، برز خطاب محاربة الفساد المالي، في الجمهورية، كأبرز عنوان لهذه الانتخابات، على ان الجديد البارز، إعلان قيادة حزب الله، على لسان أمينه العام السيّد حسن نصر الله، ان المحطة الثالثة من محطات الحرب التي خاضها، أو سيخوضها الحزب، هي اجتثاث الفساد، الذي بلغ حداً لا يُمكن الاستمرار معه في إدارة البلد أو معالجة المديوينة أو سائر الاعتبارات التي طرحت على بساط البحث..
لم يكتف حزب الله بإعلان الحرب على الفساد، في أول تدخل من هذا الحجم في الوضع الداخلي اللبناني، فبعد اجراء الانتخابات على أساس النظام النسبي، الذي قلب المعادلات داخل مجلس النواب، وتحوَّل المجلس إلى تجمع كاسح للتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة «امل» والحلفاء من 8 آذار، كلف السيّد نصر الله النائب الجنوبي، عن قضاء بنت جبيل حسن فضل الله بمتابعة هذا الملف، المرتبط مباشرة بالأمين العام..
اقتضت المرحلة الأولى من النائب «الطموح» ضمن منهجية واضحة، جمع المعلومات عن مواقع الفساد في الإدارات والمؤسسات، وحجم الفساد وأعبائه (وفي معلوماتي ان الحزب كاشف الحلفاء والخصوم أنه جدّي في معركته، ويجب أخذ هذا التطور في عين الاعتبار، وتضيف معلوماتي ان خطوة الحزب لم ينظر اليها، على انها جيّدة، أو تصبّ في المكان الصحيح أو حتى التوقيت).
ولكن، الأمر المؤكَّد أن قرار الحزب أحدث صدمة، وراح النّاس يتساءلون عن الهدف الكبير، الذي يرمي إليه حزب الله، المتهم من قِبل حليفه «التيار الوطني الحر» بأنه لا يعطي للوضع الداخلي أهمية، وأن سلّم الأولويات يقتضي «المهام الخارجية»، التي يوكلها الحزب لنفسه، أو توكل إليه من قِبل المحور أو زعامته، وكان التيار «العوني» برّر عجزه أو تقصيره في مكافحة الفساد، (مع أن كثيرين يقولون انه غير جاد، وانه متورط في بعض الحالات، أو مقصّر) بقوله ان «حزب الله» لا يقف إلى جانبه، وهو يقاتل وحيداً على هذه الجبهة!
من زاوية المنهجية المتبعة ان الاتهام يطلقه القضاء، وان الشبهات لا تعالج المسألة، يتحاشى المقال وكاتبه الابتعاد عن منطق التهم أو التحامل أو التجريح، أو حتى الاقتراب مما لا يجيزه قانون الإعلام، وقانون العقوبات، والحق بالحصول على المعلومات..
من الثابت ان خطاب الرئيس الحريري طوال الأشهر، وربما السنوات الماضية حافظ على منسوب مرتفع من الدعوة إلى محاربة الفساد، وعبَّر ذلك عن نفسه بالبيان الوزاري الذي على أساسه نالت الحكومة الثقة بـ111 صوتاً، الأمر الذي يعني ان مكافحة الفساد المطلوبة دولياً، لا سيما من صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة أو الداعمة، وفي هذا فإن رفع الغطاء عن المتورطين هو قرار سياسي كبير، يقول الحريري انه متفق حوله مع رئيسي المجلس والحكومة..
على ان السؤال الخطير، المرتبط بالفساد باعتباره طريقة في إدارة الحكم، أو بوصفه منظومة متكاملة، كيف يُمكن تفكيكه، ما دام الأمر، يتخطى ملاحقة موظف من هنا، أو مدير من هناك، أو وزير يفتح الطريق لهذه الشركة أو تلك، أو لهذا المموّل أو ذاك من أجل نيل حصة في آخر الطريق، عبر وسطاء مكلفين أو مختصين.
وهل لحزب الله الجدية الكافية، فضلاً عن القدرة على القيام بهذا الدور؟ فضلاً عن التوقيت؟ والغايات البعيدة؟
من الخطأ تلمس الإجابة في النيّات، أو الأهداف الشعبية، بل لا بدَّ من تلمسها من الوقائع الجارية:
1 - شعر حزب الله ربما لأول مرّة، ان الهيكل الاقتصادي قد يقع، وإذا وقع فإن المتضرر الأوّل سيكون الاستقرار، والاستقرار هو البيئة الأكثر ملاءمة لتمكن الحزب من الاضطلاع بدوره الإقليمي الواسع..
2 - بدا الانتشار السرطاني للفساد، يطال الحزب، ايضا وبيئته، وثمة من يلهج في السر والعلن ان الحزب متورط، إمَّا بقيادات وازنة فيه، أو حتى وزراء منه، أو يدورون في فلكه، ولديهم حصانات، فسارع إلى فصل النيابة عن الوزارة، وجاء بوزراء من خارج النادي الحزبي الملتزم (وزير الصحة الحالي).
واعتبر ان حماية الحزب من الداخل، ليست بقرارات صارمة أو جازمة، بل ببنية مجتمعة نظيفة، وابعاد الشبهات، ووضع النقاط على الحروف..
3 - قد تكون للحزب مآخذ على حليفه «التيار الوطني الحر»، الذي فرضت عليه «التسوية الرئاسية» الابتعاد عن مكافحة الفساد، فإذا بوزارة مكافحة الفساد، يطاح بها، بعدما استقر الرأي ان الطريق تكون من خلال مؤتمر قضائي، يقترح خارطة طريق واضحة للخروج من النفق.. تجري الاستعدادات على قدم وساق من أجل انعقاده..
الملف على الطاولة، ومعه ليس مصير لبنان الدولة والاقتصاد، بل مصير الاحزاب التي حمت بنية الفساد، واستغلت الصراعات لمدّ يدها، عبر أفراد محميين منها، أو عبر وسائط أخرى لنهب الدولة وسرقة أموال المواطن.
والمسألة الأخطر، تتعدّى البيان الوزاري أو الإرادة السياسية، إلى ما هو وراء الغايات المعلنة، ففي بلدان العالم الثالث، ومنها لبنان: محاربة الفساد تعني الطريق إلى السلطة، من سوريا إلى المملكة إلى مصر إلى الربيع العربي.. فعن أي سلطة يبحث حزب الله؟