بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تموز 2020 12:02ص ملفّات الإسلاميين المزمنة: متى ينتهي الابتزاز؟

«لوقف الإستنساب وإنهاء المأساة على قاعدة إطلاق البريء ومحاكمة المرتكب»

أهالي الموقوفين الاسلاميين: للعفو العام أهالي الموقوفين الاسلاميين: للعفو العام
حجم الخط
وسط الانهيار الشامل، وفي ظل عجز السلطة عن معالجة أي ملف، يبدو أنها تتلذذ باللجوء إلى عادتها الأثيرة بالهرب إلى الأمام من خلال اللعب بملف بات ممجوجاً لكثرة استخدامه. هكذا يبدو «الإستدعاء الملغوم» للشيخ سالم الرافعي، في توقيتٍ مشبوه وفي ظرف شديد التوتّر، ووسط دهشةٍ من تفرّغ بعض القضاء لملفّاتٍ يجري تنويمها وإيقاظها غُبّ الطّلب، وحسب حاجات السلطة السياسية وأحزابها، وحسب متطلبات التحالفات المعلنة والمضمرة، لينتهي المشهد إلى تأجيلٍ جديد لجلسة المحاكمة، بعد أن أحدث الاستدعاء بحدّ ذاته احتقاناً كاد يعيد إشعال فتيل الشارع.

تزدحم علامات الاستفهام؛ جلسةٌ لرئاسة المحكمة العسكرية تنعقد في يوم إضراب رسميّ لنقابتي المحامين احتجاجاً على تعرّض المحامي واصف الحركة للاعتداء، تـُصدر قراراً صادماً بالسجن المؤبد على الشيخ بسام الطرّاس رغم حضوره السابق لجلسات المحكمة، لتنتهي المسألة إلى إلغاء القرار الخاطئ وتحديد جلسة جديدة للنظر في الملف بعد ستة أشهر.

في كلا الملفين، تدخّل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لضمان عدم توقيف الشيخين الرافعي والطرّاس، بالتوازي مع شاهدناه من «طحشة» إعلامية لتيار المستقبل لإعلان مناصرته للشيخ الرافعي، ثم تسريب أنّ الرئيس سعد الحريري قد تدخّل متضامناً، ليسارع مكتبه إلى تحديد موعدٍ للشيخ سالم في بيت الوسط، ثمّ صدور بيان عن كتلة المستقبل اعتبرت فيه «أنّ ما يقوم به بعض القضاة في المحكمة العسكرية من مخالفة للأصول القانونية، كما حصل في استدعاء الشيخ سالم الرافعي والكيل بمكيال مذهبي، هو أمرٌ خطر ما عاد ممكناً السكوت عنه»، من دون أن تبيّن كيف سينتهي هذا التحذير من الناحية العملية. 

كما حذّرت الكتلة «من سعي جهات لاستغلال حالة عدم التوازن والانهيار الحاصل لنبش بعض الملفات، مستغربةً ملاحقة من نجا من الاغتيال في تفجير مسجدي التقوى والسلام، ثم برصاص القنص في طريقه إلى عرسال لاستعادة العسكريين المخطوفين، بينما يبقى المفجّر حراً طليقاً والقنّاص مجهولاً»، وكذلك جاء التحذير فارغاً من أيّ خطوةٍ عملية تؤدّي إلى وقف هذه الممارسات.

إذا كان الرئيس الحريري قادراً على إنهاء هذه الممارسات التي اعتبرتها كتلته خارج القانون، وعلى تصفية ملفّاتٍ تؤذي مئات المواطنين، وهو لم يقم بذلك، فتلك مصيبة.

وإذا كان عاجزاً عن تطبيق القانون وهو الذي تولّى رئاسة الحكومة مرتين بعد استقالة حكومته الأولى، فالمصيبة أعظم، ليكون السؤال: هل يُعقل أن يبقى الناس عالقين أمام أقواس المحاكم سنوات متتابعة، وهل بات تأجيل جلسة إنجازاً يستحقّ كلّ هذه الدعاية.. وعلامَ إذاً كلّ هذا الضجيج واللقاءات وهو لا يملك للمعنيين حلاً ولا فرَجاً؟!

فضّل العلماء الذين أحاطوا بالشيخ الرافعي أن تكون زيارته للرئيس الحريري شخصية، لأنّهم يحملون الكثير من التحفظات على مسار علاقته بهم. فخلال ترؤسه للحكومة يتجاهل قضاياهم بل ويتركهم عرضةً للقتل والانتهاك، كما كان الحال مع الشيخ أحمد الأسير والشيخ مصطفى الحجيري، وعندما يكون خارج السلطة يعود إلى خطب وِدّهم وإبداء الاستعداد لمساعدتهم، في مشهدٍ مكرّر لم يعد صالحاً للعرض من كثرة الاستهلاك، وهذا الموقف يعكس حجم الهوّة الفاصلة بين العلماء وبين الرئيس الحريري على مستويات أخرى، وتحديداً الجوانب التشريعية التي تمسّ القضايا الدينية.

مع الوقت نشأت طبقةٌ من المستفيدين من تأجيل هذه الملفّات عاماً بعد عام، تمكّنت من جعل البعض مبهوراً بمجرّد كلمةٍ أو تصريحٍ، بعد أن تعرّضوا للطعن مراراً وتكراراً في طريق الجلجلة أمام القضاء، وفي ملفّ العفو العام الوهمي الذي استنفد مواسم انتخابية متتابعة.

ثمة أفكارٌ متداخلة تتفاعل في الخواطر، وأحاديث تدور على ألسنة العلماء، وهي تلتقي عند خطوتين لا بُدّ للرئيس الحريري أن يذهب إلى اتخاذهما ليثبت جدّيته في هذه القضية، تجاه من يمثّلهم:

 رفعُ دار الفتوى والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عن التدخلات عموماً، ودعم إصداره تشريعاً خاصاً بحصانة العلماء أسوة بغيرهم من أهل الاختصاص، وبأقرانهم من رجال الدين، يحصر التحقيق معهم في دار الفتوى ويجعل الدار حصناً قانونياً في وجه حملات الاستهداف الدائمة للعلماء، ويضمن للعدالة حسن سيرها، في إطار الإجراءت المتبعة المماثلة لرجال الدين الآخرين.

 الضغط المباشر لتحرير القضاء العسكري من التدخلات المخالفة للقانون، حسب وصف كتلة المستقبل، والعمل لإنهاء ملفات الموقوفين والملاحقين في الملفات المسماة «إسلامية»، ومنها المشمولين بما يسمى وثائق الاتصال، ضمن مهلة زمنيّة محدّدة، وإنشاء غرفة عمليات قانونية – سياسية تعمل على مدار الساعة للانتهاء من هذه الملفات، على قاعدة تطبيق العدالة: إطلاق البريء ومحاكمة المرتكب بالمقدار الذي يحدّده القانون، ووقف عمليات الاستنساب المنحرفة التي يقوم بها بعض القضاة.

أيّ توجّهٍ خارج هذين العنوانين هو مناورة مكشوفة، مهما علا شأن القائمين بها، من رؤساء أو وزراء أو نواب أو مسؤولين.. فقد حان فعلاً الوقت لإنهاء هذه المهزلة التي تأكل من أعمار الناس، وتحوّلهم أسرى الابتزاز في المواسم الانتخابية وفي مواسم «استلحاق الحال» السياسية وإعادة التأهيل المعنوية بعد الهزائم والنكسات المتتابعة.