بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الثاني 2020 12:01ص من أين ننجب وطناً آخر إذا اضمحل الكيان؟

حجم الخط
 في أحلك الظروف والمراحل المصيرية التي تعصف بوطن الأرز العربي منذ ابصاره النور على الاديم، لا اجد متنفسا في هذه الأيام العجاف، لاخراج الحزن من نفسي وفؤادي الا الغناء مع روح الخالد في ضمائر المتنورين والشرفاء العملاق منصور الرحباني، اذا راح الوطن ما في وطن غيرو. 

وبناء على ما يعانيه المصاب الجلل الوطن المنكوب بويلات ومآسي ونكسات فلذات كبده، منذ سنوات خلت حتى انفجار الغضب الشعبي في 17 تشرين الاول 2019، فإن جرس الانذار قد رنّ، وناقوس الخطر قد دق، وطبول الاضطرابات الامنية قد قرعت، لينذرونا بضرورة الشروع الفوري بتشكيل حكومة جديدة الآن الآن وليس غدا، يكون عنوانها مدوّنا بالخط الأحمر العريض، القطار يتسع للجميع لكل الألوان والأطياف والمشارب من تكنوقراطيين وسساسة، فمن اراد ايصال الوطن والمواطن الى شاطئ امانهما، فليستقله، ومن لا يبغي فليدع الآخرين يستقلونه، فالأزمة ان اطال امدها والحكومة لم تشكل، فالانهيار الاقتصادي ينتظرنا على المنعطفات للانتفاض على ما تبقى وافتراسه، وبركان افانين العداوات سيبدأ بقذف حمم التطاحنات العبثية المجانية والتي يستحيل ان تنجب من رحمها اسم الفائز في اللقب. لذا فالمطلوب اعادة رأب ما انصدع ووصل ما انقطع عبر الحوار، السلاح المثمر بمفرده لإستعادة حقوق مكتسبة مغتصبة من طبقة سياسية واهنة باتت تشعر برعب فقدان عروشها وازلامها وأبواقها. وخلاف ذلك ستكون الكارثة والمأساة، اذ يقول الخبير الاقتصادي غازي وزني في شهر تشرين الثاني 2019، ان الحكومة الجديدة في حال ولدت من رحم الاحزان، تستطيع ان تكون شريكة فعّالة في صون الاستقرار النقدي وبالتالي الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في حال اقدمت على القيام باصلاحات جريئة وجذرية في ماليتها العامة. لذا فإن الفرصة ما زالت سانحة، وكلام الخبير وزني ينبغي ان يؤخذ على محمل الجد من قبل الثائرين، وإلاّ فإن استمرار التعنت واستشراء ثقافة حروب الالغاء سيجعل لبنان قابعا في حجر صحي، تحيط به احزمة البؤس والحرمان، وجماجم المنتحرين، وستكثر هجرة المندحرين الى كواكب الاغتراب، وسنسمع المزيد والمزيد من صراخ وهيجان الدفعات البشرية القادمة تباعا الى مصحات الامراض العقلية، فضلا عن ان التعنّت لم يعد يجدي نفعا خصوصا في ظل الصراع السياسي والاقتصادي بين واشنطن وموسكو على ثروات لبنان الغازية والنفطية، وهو الصراع الذي كان من أهم مسببي انتفاضة 17 اكتوبر 2019.

اما الانكباب على قطع الطرقات، واللجوء الى ثقافة الغضب والكره والعدائية والنفور، يجب ان يتوقف فورا، لنمضي الى ما يريده الوطن «الحوار». وبما ان الصراع الروسي الأميركي مستعر حول ثروات لبنان كما اسلفت، فإن ما دفع بواشنطن الى اصدار عقوبات ضد حزب الله ليس فقط بهدف نزع سلاحه بل ايضا يمت الى شعور واشنطن بالتمدد السياسي الروسي من سوريا الى لبنان، بدليل انه وفي اوائل شباط 2018، قال وزير خارجية اميركا الاسبق ريكس تيلرسون، من الأردن، في حال قبل لبنان وحزب الله بالموافقة على خطة المهندس فريديريك هوف القاضية تمنح لبنان 60 بالمائة من النفط والغاز، وتل ابيب 40 بالمائة من الثروات عينها، فإن واشنطن ستوفر للحزب دورا اساسيا في لبنان والمنطقة، فتكون المعادلة الغاز مقابل التسوية والسلاح. لكن تلك التسوية جوبهت بالرفض اللبناني.

وبالمناسبة أكد حينها الخبير في العلاقات الدولية الدكتور محمد حامد، ان اعتبار حزب الله، تنظيما ارهابيا يجب نزع سلاحه هو من ضمن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهذا التأكيد اتى في اعقاب رفض الحزب لتسوية تيليرسون. وكان السيد حسن نصرالله، قد قال بتاريخ 16 شباط 2018، اذا ارادت واشنطن منع الشركات الروسية من التنقيب في المياه اللبنانية، فإن الحزب، سيمنع اسرائيل من استخراج النفط والغاز من المياه الفلسطينية. ايضا وايضا ونتيجة رفض تسوية تيليرسون، بدأ التركيز بشكل اساسي على سلاح الحزب، وبدأ سيل من العقوبات يفرض عليه، اذا قال الامن العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس بتاريخ 30 تشرين الأول 2018 بان الحزب قادر على جر لبنان الى الحرب، لأن السيد نصر الله، اقر في 30 تشرين الأول 2019، اي في عز الحراك اليومي الحالي، بامتلاك الصواريخ الدقيقة وغيرها. وفي 30 تشرين الأول 2019 اشترطت تل ابيب على الدول الغربية الكبرى، ربط اي مساعدة لايجاد الحلول الاقتصادية اللازمة للبنان بوجوب العمل على اضعاف قوة الحزب عبر ابعاده عن المشاركة في اي حكومة فعلية ونزع سلاحه، والاخطر في الأمر ان مصادر اسرائيلية مطلعة كانت بتاريخ 16 تموز 2019، قد افادت بأن العقوبات الاميركية على حزب الله، لن تحقق مبتغاها الا اذا تمكّنت من جعل مندرجات صفقة القرن بأكملها تصل الى اعتلاء عرشها، وبالتزامن ايضا مع استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية. وبتاريخ 13/6/2015 قال مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية والاقتصادية سامي نادر لوكالة شينخوا الصينية، انّ الشركات الأميركية ترغب بحصة من النفط والغاز اللبناني، لأن واشنطن تعتبر ان هذا القطاع خاضع للقوة الأميركية، وليس للتأثير الروسي، ويضيف نادر ان واشنطن غاضبة بشدة جراء توقيع شركة روس نفط الروسية عقدا مع لبنان لمدة 20 عاما، لأنها ترى ان انخراط روسيا في قطاع النفط والغاز يجب ان يقتصر فقط على الحدود اللبنانية السورية، دون ان تتعمق موسكو اكثر في لبنان. وفي المقابل قال خبراء لبنانيون لموقع سبوتنيك الروسي بتاريخ 21/11/2015، أنّ من اهداف واشنطن اضعاف حزب الله ونزع سلاحه وان الاكتشافات النفطية هي من ضمن اهداف الجانب الأميركي ايضا. ولا يسعني في المحصلة النهائية لما سردته الا القول أن اللبنانيين مطالبون بنسيان نصرتهم لهذا المحور او ذاك، وان يكون الجامع المشترك بينهم تسهيل ولادة حكومة سواء أكانت من لونين او من لون واحد في حال اقتضت الضرورة، ثم اللجوء الى الحوارلاستعادة لقمة العيش، والأموال المنهوبة، ولا يجب ان تخرج الأغلبية الساحقة من المنتفضين من قاعة الحوار، الا بانتزاع حقها المشروع في ارغام من لا يزالون معترضين على اقرار المادة 95 من الدستور، على التصويت لها تحت قبة البرلمان، لأن ابقاء الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية اسيرة قضبان التعصب الديني والتقوقع المذهبي والتزمت الفئوي، ومنعها من تنشق الحرية عبر اطلاق سراحها بهدف ولوجها ابواب صروح واندية العلم والثقافة لاستئصال الورم الطائفي الخبيث، «الطائفية»، من النفوس لجعل كل نسيج طائفي يتقبل عادات وتقاليد الطائفة الأخرى حتى نشر أواصر الاخوة بين ابناء الوطن الواحد على قاعدة المساواة المتمثلة بالكفاءات والنزاهة، انما هو بمثابة ارتكاب الخيانة العظمى بحق الوطن. وعندما يظفر كل متنور بهذا الحق الذي اقره الدستور عام 1989 وقدسه يكون قد ارتكب جريمة شرف جندل بواسطتها مندرجات الطائفية الهدامة وغسل بموجبها عار وطن انهكته الطائفية منذ العام 1840 وحتى الآن وجعلت حجره يبكي على اجياله التي ارتشفت الحليب الطائفي منذ سن رضاعتها الجيل تلو الجيل بعدما بات للطائفية امبراطوره بروتوكالاتها في الوطن، وامست تقاليدها وعاداتها كرنفاله وفولوكلوره في مواسم الأعياد ومواسم الانتخابات. وخلاف ذلك، فإن الكيان وبعد فترة قريبة جدا ذاهب نحو الاندثار والانقراض، وستحنط امجاد لبنان وانتصاراته وبطولاته في متاحف الهزيمة والمجد والمفقود والبكاء على الاطلال والجدل البيزنطي العقيم والدوران في الحلقات المفرغة، وللتذكير، يبقى الوعي مصنع السلم الأهلي دوما.