حين أمم الرئيس الإيراني مصدق عام 1952 الشركات النفطية الأجنبية إرتفع سعر البرميل من سبعة دولارات إلى خمس وثلاثين دولارا، وعملاً بالاتفاقيات الإقليمية آنذاك، انسحب هذا السعر على العراق، فإرتفعت وارداته النفطية من حوالى ستة ملايين دولار إلى ستين مليون دولار سنوياً.
امام هذا الارتفاع، أصدر العراق قانوناً بإنشاء مجلس الاعمار تتغذى ميزانيته بنسبة 75٪ من الواردات النفطية، مخصصة لتنفيذ المشاريع الكبرى فيه كالسدود والطرق والكهرباء وما شاكل.
لبنان استفاد من الفورة النفطية، فبدأت تتدفق عليه الأموال من مواطني تلك الدول، مما سبب له ازدهاراً كبيراً في القطاع العقاري واستثمار مواطني تلك الدول فيه. حدث ذلك في زمن كنت فيه وزيراً للصناعة والنفط في حكومة المغفور له الرئيس شفيق الوزان.
بالنسبة لي ارتأيت رفع سعر صفيحة البنزين سعة عشرين ليتراً من 7.25 ل.ل. إلى ثلاثين ليرة. وقبل اتخاذ القرار، راجعت الرئيس إلياس سركيس وشفيق الوزان، فأشارا إليّ بأن قراري هذا قد يؤثر على شعبيتي، فأجبت بأني أفضل ان أكون مسؤولاً في وظيفتي على ان اخسر شعبيتي. عندها طلب إليّ ان ارفع أسعار المشتقات النفطية تدريجياً، فقبلت ورفعت سعر صفيحة البنزين إلى 18 ليرة لبنانية ثم رفعتها ثانية إلى 30 ليرة بعد فترة، وبذلك ازدادت واردات الدولة من بيع المشتقات النفطية زيادة كبيرة. ولم أفعل ذلك الا بعد اجتماع دعوت إليه الحركة الوطنية برئاسة وليد جنبلاط في مبنى جريدة «النهار» ووافقني الرأي بعد ان ادليت امامهم بشرح وافٍ اقنعهم.
كانت الوزارة تشتري المشتقات النفطية وتدفع قيمتها تقسيطاً للشركات العاملة، وأذكر ان شركة التبلاين التي كنا نستدرج منها النفط الخام لمصافي الدولة في منشآت طرابلس والزهراني قد أنذرتنا ذات يوم بوجوب دفع المستحق دون أي تأخير تحت طائلة إيقاف مدنا بالنفط الخام لزوم مصافي الدولة. فما كان مني الا ان أصدرت قراراً صادرت بموجبه الكميات النفطية التي كانت مخزونة في مستودعاتها. بعد ذلك رحت افتش عن حل للمشكلة، وجدته بمناسبة انعقاد القمة العربية في الطائف، فوضعت كتاباً شرحت فيه ازمتنا مع شركة التبلاين وسلمت نسخة عنه إلى كل من رئيس الجمهورية إلياس سركيس ورئيس الوزراء شفيق الوزان ووزير الخارجية فؤاد بطرس. في اليوم التالي لذهابهم اتصل بي مدير عام القصر الجمهوري وقال لي ان الرئيس يطلب منك ان تحضر إلى الطائف حاملاً الملف العائد للمشكلة مع التبلاين. ذهبت في اليوم التالي الى الطائف وحيداً على طائرة الدولة التي كان سبق للشيخ رفيق الحريري ان اهداها إياها، يرافقني العميد هشام ناصر الدين المسؤول عن الطائرة. عند وصولي مقر الرئيس اعلمني ان وزير النفط السعودي احمد زكي اليماني ينتظرني في دارته وطلب إليّ التوجه نحوه الساعة الخامسة بعد الظهر. وبالفعل، ذهبت إليه وشرحت له اوضاعنا السيئة اقتصادياً ومالياً ورجوته ان تدفع المملكة عن لبنان ما كان عليه من مبالغ مدينة تراوح الخمسة عشر مليوناً من الدولارات الأميركية، تجاوب الوزير مشكوراً وعرض المسألة مع مجلس الوزراء السعودي الذي وافق على الدفع لحساب لبنان، وبذلك تكون المشكلة قد حلت.
بعد عودتي، أبلغت مجلس الوزراء بما أتممته، فشكرني على ما حققته وسجل ذلك في محضر الجلسة.
* نائب ووزير سابق.