بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 شباط 2020 07:55ص «نظام ويستفاليا» في الإقليم يتعرّض لتهديد جدّي.. والهجرة ستودي بالسيادة

الكيانات غير الدولتية صعدت على حساب الدولة والحل بإعادة التشكيل الجذري للسلطة

حجم الخط

تقرير أوروبي يتحدث عن ازدياد قوة حزب الله في لبنان بحيث يصبح الفصل بينه وبين الدولة غير واضح


فيما ينشغل التقليد السياسي اللبناني وقواعده بالتافه من المسائل وتوظيف التحريض المفتعل في سياق مراكمة قاصرة وسخيفة للمكتسبات، ترتسم في الإقليم خرائط وحقائق جيوسياسية جديدة تزيد في القلق الوجودي والكياني لشعوب المنطقة، لا أنظمتها البالية فحسب.

يقول تقرير بالغ الأهمية ان «نظام وستفاليا الأوروبي الدولي European Westphalian state system الذي إستوردته إلى الشرق الأوسط القوى الاستعمارية عبر اتفاق سايكس بيكو في عام 1916، يتعرض للتهديد الجدّي. في بعض الحالات، مثل ليبيا واليمن، يُعد انهيار الدولة حقيقة واقعة، بينما في حالات أخرى يتعرض مستقبل السلطة السياسية الى الطعن بشكل متزايد على يد الكيانات الفاعلة غير الدولتية (NSAs) non-state actors، حيث تفقد الدول احتكار القوة في أراضيها ذات السيادة الاسمية. بينما في حالات أخرى، تتعرض السلطة السياسية لتحدي تهديدات أخرى أكثر ذكاءً - مثل الهجرة - والتي ستؤدي إلى تقويض سيادة الدولة على المدى المتوسط إلى المدى الطويل».

و«نظام ويستفاليا» إعتمدته الدول المستقلة لتأكيد إمتناعها عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، في موازاة تحقيق طموحات بعضها البعض من خلال توازن عام للسلطة. والمتعارف عليه ان «سلام ويستفاليا» أنهى محاولات فرض سلطة فوق وطنية على الدول الأوروبية.

يضيف التقرير: «يمكن لدول قليلة في المنطقة أن تدّعي أنها تتمتع بسيادة شاملة وحصرية وغير مشروطة على مجالها الإقليمي، بدليل المساحات شاسعة من الأراضي العراق وسوريا- بحجم بريطانيا- التي سيطر عليها تنظيم «داعش» حين كان في ذروته. كان إجمالي عدد سكان دولة «داعش» عشرة ملايين نسمة، تملك جيشا وشرطة ونظاما قضائيا خاصا بها، وميزانية سنوية تبلغ حوالى ملياري دولار. وكانت لها، بحكم الواقع، حدود داخل دولتين. ولم تستطع حكومتا بغداد ودمشق طرد هذه المجموعة الإرهابية بمفردهما- مما جعل داعش تستهزئ بسيادة الدول. كذلك ان وجود شبه دول مثل كردستان العراق وفدرالية روج آفا الديمقراطي Democratic Federation of Rojava، وهي جيب كردي آخر داخل سوريا، يسلط الضوء على ظاهرة تجزئة الدولة في المنطقة. وعلى المنوال نفسه، يبدو أن مصر تفقد تدريجا قبضتها الضعيفة على شبه جزيرة سيناء».

ويتناول التقرير المسألة اللبنانية، فيشير الى أن حزب الله قد يكون المثال الأكثر إيضاحا على صعود الكيانات الفاعلة غير الدولتية وتراجع الدول في المنطقة. إذ كان بعض هذه الدول قد حفّز ظهور هذه الكيانات غير الدولتية بغية ضمان مصالحه على المدى القصير. على سبيل المثال، أنشأت طهران حزب الله في عام 1982، في سياق سعيها الى حيث تحسين انتشارها الاستراتيجي عبر الوكلاء. هو اليوم يسيطر على أجزاء كبيرة من لبنان، ويُعترَف به على أنه الأقوى عسكريا حتى بالمقارنة مع القوات المسلحة اللبنانية. مع ذلك، هو أكثر من مجرد لاعب لبناني. فقد ساعد في إنقاذ الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد، ودرّب الوكلاء الإيرانيين الآخرين في أفغانستان والعراق وباكستان والسعودية واليمن. علاوة على ذلك، مع مرور كل يوم يزداد حزب الله قوة، حيث يصبح الفصل بينه وبين الدولة اللبنانية غير واضح بشكل متزايد».

يتابع التقرير: «تثير مثل هذه الإجراءات ردود فعل حادة. ولم يمضِ وقت طويل حتى ثارت رد الفعل على سياسة إيران، التي وسعت بالوكالة نفوذها الاستراتيجي. ففي خلال احتجاجات تشرين الثاني 2019 في مدينة كربلاء العراقية ذات الأهمية التاريخية، اقتحم المحتجون العراقيون القنصلية الإيرانية ونزعوا العلم الإيراني، احتجاجا على تأثير الوكلاء المدعومين من إيران في شؤون بلادهم. بالطبع، ليست طهران وحدها التي تتبع هذه الاستراتيجية، فقد ساهمت قطر بمبلغ 3 مليارات دولار للقوات المناهضة للأسد في العامين الأولين من الحرب الأهلية السورية. كما دعمت أنشطة الإخوان المسلمين في المنطقة. وتسبب هذا السلوك بالتوترات مع دول مجلس التعاون الخليجي. في غضون ذلك، سمحت تركيا لمقاتلي داعش في أوروبا وآسيا بالتسلل إلى العراق وسوريا. كذلك درّبت المقاتلين الإسلاميين في مصر وليبيا. وكما هو الحال مع إيران، فإن هذه السياسات قد حولت بالفعل المشاعر العامة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وتطلعاته العثمانية الجديدة».

ويخلص التقرير الى أن نظام الدولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «يواجه تحديات هائلة، لكنها ليست غير مسبوقة أو ليست بعد غير قابلة للتغلب عليها، خلافا لما هي الحال في إثيوبيا وسيراليون. فالدولة أساسية لتنظيم الصراع في المجتمع ولضمان رفاهية وازدهار الناس. ومن دون قيام الدولة بتشجيع الوئام، ستصبح الفوضى هي القاعدة. ويُعدّ تفكك ليبيا ما بعد القذافي وكارثة الدولة الفاشلة في اليمن، درسان مفيدان في مخاطر انعدام الدولة (...). ما نحتاج إليه هو إعادة التشكيل الجذري للسلطة السياسية وإعادة بناء مؤسسات فعالة وشاملة وشرعية. لكن في الوقت الحاضر، تبدو الإرادة السياسية لإجراء مثل هذه الإصلاحات غير متوافرة الى حد كبير(...). وقد تكون الدول العربية قد وصلت إلى لحظة شكسبيرية: أن تكون أو لا تكون»!