بقلم المستشار د. مازن ع. خطاب
يترقّب اللبنانيون ما ستفرزه المشاورات بخصوص تمثيل نوّاب ما سُمّي بـ«اللقاء التشاوري»، على أمل أن يجد المعنيون حلاً لهذه العقدة في تشكيل الحكومة العتيدة.
وليس هدف هذا المقال أن يراجع الجدل القائم حول أحقية تمثيل هؤلاء النواب، ولا أن يحدد مسؤوليات أطراف النزاع، ولا أن يشير الى الاستنسابية في المعايير المتّبعة للتمثيل في الحكومة. كما لن يتناول النبرة العالية التي صبغت الصدام السياسي بين قطبي المعادلة، الرئيس المكلُف وأمين عام «حزب الله»، وكأن كل منهما يقول للآخر بأنّ لا حكومة يضع الآخر مواصفاتها، ولن يدخُل في تحليل الخلاف السُنّي – الشيعي، الذي لم يعد خافياً على أحد.. إنّما يعنينا تعاطي نوّاب «اللقاء التشاوري» مع هذه العقدة الحسّاسة في الشكل والأساس، والذي يعكس مدى حرصهم على طائفتهم، وهي التي خسرت الكثير في المعادلة السياسية اللبنانية بسبب الصراع الدائم على زعامة الطائفة وحصّتها في مراكز السلطة.
يتعاطى نوّاب «اللقاء التشاوري» مع العقدة السُنّية بكثيرٍ من الذاتية، الأمر الذي يتجلّى من خلال موقفهم المتعنّت وخطابهم التصاعدي، الذي يحمل نبرة المظلومية، مُحقاً كان أو بهتاناً. وهم يراهنون على أن الحكومة لن تتألّف إلا إذا تمَّ تمثيلهم، كما جاء على لسان «حزب الله»، إلا في حال قرّروا بذاتهم التنازل عن مطلبهم هذا. وهدفهم الأساس هو تثبيت الاعتراف بوجود نهجٍ سياسيٍ ضمن الطائفة السُنية، غير ذاك الذي يمثّله «تيار المستقبل» وداعم لخط المقاومة، لذلك يطالبون بالحصول على وزير من الكوتا السُنية في الحكومة، ويرفضون أن يكون المقعد من حصّة أي طائفة أُخرى، وبهذا هم يضعون تأليف الحكومة رهن شروطهم، ولو على حساب المصلحة الوطنية، التي تستدعي تأليف الحكومة سريعاً، كي تتمكن من النظر في شؤون الناس باختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، في مرحلة قد تكون الأصعب في تاريخ لبنان من الناحية التحديات السياسية والاقتصادية.
وبالرغم من كلامهم الزاهي عن الديمقراطية والتعدّدية ومصلحة الطائفة، إلا أنّهم أخطأوا في الأساس، عندما لجأوا الى حليفهم الشيعي، الذي لا شأن له بحصة السُنّة في الحكومة وجعلوه عرّاب تجمّعهم، واستقووا به في وجه باقي الأطراف السُنّية، مؤكدين انتماءهم المتين بحليفهم الى درجةٍ جعلت الرأي العام ينعتهم بـ»سرايا مقاومة سياسية»، وهم ما زالوا يحثون حليفهم على التكلّم بإسمهم بالرغم من أن ذاك الحليف عاد وأردف الحل إليهم. ربما فاتهم أنّ السُنّة لم يتدخلوا يوماً في الخلافات الداخلية لدى الطوائف الأُخرى، لا سيما الطائفة الشيعية الكريمة، ولم يتعاطوا يوماً بحصصها وأسماء وزرائها. لقد أخطأ نوّاب اللقاء عندما أسقطوا من حساباتهم، أنّ معظم الطائفة السُنّية تأبى أنْ يختارَ لها طرفٌ آخر وزراءها، وأنّ خطوتهم تلك جعلتهم متنافرين مع النسيج السياسي والاجتماعي للطيف السُنيّ.
وبالرغم من شرعية هؤلاء النوّاب المنتخبين، وحيثيتهم الشعبية، التي يستحضرونها في كل مقابلة صحفية او تلفزيونية، إلا أنّهم يعوّلون في حراكهم على الرافعة السياسية التي أمّنها لهم «حزب الله» من خلال خطابه الذي سبق إعلان سخطهم على «الحريرية السياسية»، والذي حسم فيه حليفهم الأمر بأن لا حكومة دون تمثيلهم، إلا في حال تنازلوا عن مطلبهم، مستخدماً لغة تصعيدية بوجه أطياف الشعب اللبناني كافة دون استثناء، لغة تحدٍّ بات يستعيدها نواب اللقاء دون الأخذ بنتيجتها السلبية في الحسبان، وقد أثارت هذه اللّغة استياء اللبنانيين، والسنّة منهم خصوصاً، فزرعت فيهم التوجس من إشعال حرب طائفية جديدة. وهذه الأكثريةً المستاءة بمجملها تتخطى بأضعاف حجم النواب التمثيلي، وهي لديها ما يكفي من الكرامة والقوّة لترفض لغة الوعيد، ولن تقبل بأن تُجمّد مسيرة البلد كرمى ان يتمثل «اللقاء التشاوري» في الحكومة.
باختصار، يريد نوّاب «اللقاء التشاوري» انتزاع اعتراف بوجود حيثية سياسية لهم، لكنهم لم يراعوا الشكل في مطلبهم، ولم يعالجوا الأساس الذي انطلقوا منه، مستعينين بالرافعة الشيعية؛ وفي حال نجحوا في انتزاع كرسي وزاري سُنّي، سيتم اعتبار نجاحهم مبنياً على قوة الفريق الشيعي وليس حيثيتهم، ما سينعكس زيادةً في تغريبهم عن النسيج السُنيّ، فهل يعلمون الى أين هم ذاهبون؟