بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 تشرين الثاني 2019 12:15ص هرطقة دستوريّة في مساعي التأليف قبل التكليف!

حجم الخط
بعد مُضيّ أسبوع على استقالة حكومة «الى العمل»، وبدلاً من إجراء استشارات نيابيّة مُلزمة لتكليف شخصيّة لتأليف الحكومة، تُجرى لقاءات ثنائية بين الرئيس المستقيل سعد الحريري والوزير في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، في ظلّ الكلام عن ضرورة «تأمين التوافق المُسبق» على تأليف الحكومة الجديدة قبل تكليف رئيسها تلافياً ‏لإطالة امد التأليف لو حصل التكليف، في مشهد يُعتبرُ التفافاً على الدستور، ويحمل في ثناياه اشكاليّات خطيرة.  

الإشكالية الأولى– ان محاولة إنضاج التوليفة الحكوميّة قبل التكليف هو أمر منافي للأحكام الدستورية. فبالاستناد الى الدستور، عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة بموجب المادة ٦٩ تتحوّل الى حكومة تصريف أعمال بموجب المادة ٦٤ منه. وهنا يصار الى تكليف شخصية لتأليف الحكومة وفق آلية تحدّث بها الدستور من خلال نصّوص واضحة، فيكون التكليف هو الخطوة الاولى يليه التأليف، والتكليف من مهمة مجلس النواب عندما يستشيرهم رئيس الجمهورية بموجب الفقرة الثانية من المادة ٥٣، ثمّ يسمّي رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء بموجب مرسوم يصدره منفرداً بحسب الفقرة الثالثة من المادة المشار اليها. امّا التأليف فمن صلاحية رئيس الحكومة المكلّف الذي يجرى استشارات نيابيّة، ومن ثمّ يشترك مع رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم التأليف بموجب الفقرة الثانية من المادة ٦٤ من الدستور. 

الإشكالية الثانية– عطفاً على الآلية المشار اليها آنفاً، لا سيّما الفقرة الثانية من المادة ٦٤ من الدستور التي تنص على أن «يجري رئيس مجلس الوزراء الاستشارات النيابيّة لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها [..]»، يكون إنضاج الحكومة وتأليفها قبل التكليف انتقاص من صلاحية الرئيس المكلّف، ما يُمكن ان يؤدي الى اعطاء رئيس الجمهورية وباقي الاطراف السياسية مكتسبات لا يعطيها لهم الدستور وتصبح اعرافاً فيما بعد. 

الإشكاليّة الثالثة – يتذرّع المعنيون بأنّ الدستور لم يُحدد مهلة لرئيس الجمهورية للدعوة الى الاستشارات النيابية المُلزمة، شأنه شأن غياب مهلة لتشكيل الحكومة. وغياب المهل المحدّدة دستورياً لا يعني أنّ المهل مفتوحة إلى ما شاء الله، فالفقه الدستوري وروحيّة الدستور يرسيان قاعدة دستورية تتحدّث عن مدّة «معقولة» تكون استنسابيّة بحسب ظروف البلد. والوضع الحاليّ للبلاد استثنائي جداً ومعرّض للانفجار بما لا تُحمد عقباه، فنحن أمام حكومة سقطت في الشارع وهناك حركة احتجاجية مستمرة في ظلّ المهل الضاغطة شعبيًا وماليًا، لذلك من الضروري الاستعجال في تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة من اجل تكليف رئيس للحكومة يُباشر بدوره في عملية تأليف الحكومة المرتقبة.

في الختام، نُلفت عناية فخامة رئيس الجمهورية أنّه المؤتمن على ​الدستور وهو الوحيد الذي يؤدي يمين القسم امام مجلس النواب، وقد أودعته المادة ٤٩ من الدستور مهمة «السهر على احترام الدستور [...]»، ولا يكون ذلك عبر الالتفاف على الدستور.  

كما نُهيب برئيس مجلس الوزراء المُستقيل أن يرجع الى الدستور وأن يحافظ على الصلاحيات التي اناطها الدستور برئيس مجلس الوزراء المُكلّف في تأليف الحكومة، ذلك ان موقع او مقام رئيس مجلس الوزراء ليس ملكاً لأشخاص، بل هو ملك المواد الدستورية المحدّدة في الدستور التي جعلت من المقام قائماً. بالتالي، يجب على من يتولى رئاسة مجلس الوزراء أن يُطبّق مواد الدستور اضافة الى استعمال صلاحياته وفق هذا الدستور.