... وفي اليوم الثالث عشر لإنطلاقة شرارة ثورة الشعب اللبناني على الفساد والمفسدين، لم تتبدل صورة المشهد العام، فالشعب الثائر لا يزال ثابتاً على مواقفه برحيل السلطة الحاكمة، التي أوصلت البلاد والعباد إلى هذه الحالة من الانهيار على كل المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والمجيء بسلطة جديدة عبر انتخابات نيابية خارج الإطار الطائفي، تسبقها حكومة اختصاصيين من أصحاب الكفاءة والنزاهة ونظافة الكف يوحون بالثقة وبالصدقية، والسلطة من جهتها لا تزال متمسكة بشد قبضتها على هذا الشعب وعدم التخلي عن امتيازاتها، بل إمعاناً في التمسك بهذه الامتيازات والاصرار على الالتفاف على هذا الشعب، تحت شعارات وعناوين لا تمتّ الى الحقيقة بأية صلة لا من قريب ولا من بعيد بل بقدر ما تخفي تمسكها بالكرسي ولو ذهب البلد إلى المجهول.
وما المواقف التي صدرت أمس عن المسؤولين من دعوة الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى إلى فتح الطرق، إلا إحدى محاولاتها للإلتفاف على الشعب، بإعطائه الساحات للتظاهر والاحتجاج إلى أن يثقله التعب ويستكين عن الحراك أو يتخلّى عن الثورة التي أطلقها، واتخذ كل الاجراءات اللازمة لكي تستمر حتى تحقيق كل أهداف ثورته أو إلى أن تصبح ظروف هذه السلطة مهيأة لقيام ثورة مضادة تعيد البلاد إلى أجواء الحرب الأهلية التي التهمت الأخضر واليابس ولم ينفذ أحد من نتائجها المدمرة، متجاهلة أمام هذا التصرف المعيب أن هذا الشعب كسر حاجز الخوف، والحواجز الطائفية التي كانت هذه السلطة تستغلها لإحكام قبضتها، وتوحد كلّه من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه تحت راية واحدة، هي العلم الذي يوحدهم جميعاً، وأنه أي الشعب مستمر في ثورته وثابت عليها ما دامت هذه السلطة المتحكمة في موقعها، وعلى مواقفها المعادية تماماً لمصالحه وحقوقه وكرامته وعزته الوطنية. وها هو بعد مرور اثني عشرة يوماً على ثورته السلمية من دون أن يقدم القابضون على السلطة على أية خطوة في اتجاهه، تشكّل صدمة إيجابية وتمهد لإعادة فتح حوار هادئ مع الشعب الثائر لتحقيق كل أهدافه المعلنة، انتقل إلى مرحلة جديدة هي العصيان المدني مما أثار مزيداً من الذعر عند السلطة الحاكمة بدلاً من أن تستجيب لأهدافه، وهي كما هو معلن، عادية، وطبيعية وبديهية إذا ما قيست بالضرر الناجم عن الاستمرار في هذه الثورة، لا تتعدّى في مرحلتها الأولى استقالة الحكومة التي أوصلت الوضع إلى الانفجار والاتيان بحكومة اختصاصيين، من ذوي السمعة الطيبة وأصحاب الكفوف النظيفة لإدارة دفة الحكم ولو لمرحلة انتقالية يكون خلالها المجلس النيابي قد أقر التشريعات القانونية المطلوبة للانتقال إلى الدولة المدنية القادرة والعادلة، وتجسيد صورة لبنان الموحّد الذي ظهر مؤخراً في كل الساحات التي شهدت الثورة الشعبية العارمة. فلماذا ما زالت هذه السلطة تتمسك بالحكومة القائمة وتختلق الأعذار للتهرب من القيام بالحد الأدنى من واجباتها في الاستجابة لمطالب الشعب المحقة وأولها استبدال حكومة المحاصصة ونهب المال العام وافقار الشعب العامل، بحكومة من خارج هذه السلطة الحاكمة التي أوصلت الشعب إلى الثورة تعيد الثقة المفقودة حالياً وتعيد بناء الدولة وفق أهداف الثورة المعلنة، بدلاً من الهروب إلى الأمام كما يحصل اليوم ومحاولة اختلاق الأعذار والاستعداد لإشعال الفتنة أو الثورة المضادة كما يشاع في بعض الأوساط.