بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 نيسان 2020 09:10ص واشنطن لن تقاتل لمنع انهيار النظام المصرفي بأي ثمن.. والفوضى لصالحها

حكومة الأرض الرخوة بين شراء الوقت ومَن يصرخ أولاً.. وعودة المنتفضين لا تُبشّر بمسار سلمي

حجم الخط
شكّلت الجلسة التشريعية انعكاساً جلياً لحجم التخبّط والانقسام داخل الأكثرية التي جاءت بحكومة حسان دياب، ولواقع التوازنات السياسية الأشمل في البلد. ظهر بوضوح أنه ليس هناك أكثرية وأقلية متراصتين، وأن الحكومة تشبه الطفل اللقيط، تقف على أرض رخوة بلا مشروع وحضانة. ضمانتها بعدم السقوط ليس قوتها بل ضعف الآخرين وتشرذمهم وغياب الرؤية الموحّدة لديهم في ظل اختلاف الأهداف والحسابات والطموحات. هذا ينطبق على مَنْ هم في المعارضة، ولكن أيضاً على مَنْ هم في الموالاة.

ثمّة عطب رئيسي يعتري المعادلة القائمة والمأزق سيتعمق أكثر مع ستحمله الأيام والأسابيع المقبلة من عجز الأكثرية عن ضبط مسار الانهيار المالي الذي يُترجم ضيقاً معيشياً واقتصادياً على الناس. يتم تصوير المشكلة على أنها محصورة بالقطاع المصرفي وبإجراءات مصرف لبنان الذي يواصل حاكمه اجتراح حلول تقنية، فيما المشكلة سياسية بامتياز.

ما عاد في الإمكان المناورة أو المسايرة أو التذاكي لشراء الوقت. انتهى زمن المسكنات لمرض عضال يتطلب عملية جراحية لإنقاذه. وأصبحت لعبة حرف الأنظار عن مكمن الداء في نهاياتها. يظن «حزب الله» أنه يُسجل نقاطاً لصالحه في المرمى الأميركي إذا وجّه ضربة للقطاع المصرفي الذي يعتبر أنه استُخدِم كأداة ضغط عليه تلبية لسياسة العقوبات ضده، وأنه سيجبر الأميركيين على المساومة والتراجع خطوة إلى الوراء، كونهم أصحاب النفوذ على هذا القطاع ويهمهم عدم سقوط النظام المصرفي. يُراهن «الحزب» أن واشنطن التي لها مساحات نفوذ في لبنان، لن تتوانى عن منع سقوطه في الفوضى لحماية ما لديها فيه.

محلل قريب من حزب الله: وراء استقالة الحريري قرار أكبر منه نجح بسحب الغطاء وبات الحزب مكشوفاً

سيتفاجأ «حزب الله» أن أميركا، التي تقود مواجهة مفتوحة مع إيران في ساحاتها المتعددة في المنطقة وفي أفريقيا الغربية وفي أميركا الجنوبية، لن تقاتل لحماية النظام المصرفي اللبناني بأي ثمن، ولا لمنع الفوضى فيه، إذا كان ذلك من شأنه أن يمد الحزب بالأوكسجين وأن يعزز ما لديه من أوراق أو يُكسبه أوراقاً إضافية.

ثمن الفوضى لا يُحسب على الأميركيين بل على من يُمسك بالسلطة في البلد، التي ستتلاشى أكثر فأكثر، وستسجل إخفاقات أكبر وتصبح تحت الضغوط أكثر. طلائع عودة المنتفضين إلى الشارع بدأت ولن يكون مسارها سلمياً حكماً. الفوضى ستقوّض العهد والحكومة، وتقويضهما يُحسب لأميركا وليس عليها. فالعهد هو عهد «حزب الله» والحكومة هي حكومة «حزب الله»، ما قد يحصل لن يؤدي إلى إحكام قبضته أكثر على البلد، وإلى تسجيل انتصارات في خانته، بل على العكس، سيبدأ مسار آخر مختلف.

كل ما يهدف إليه «حزب الله» هو الحفاظ على ما حققه من نقاط قوّة ومكتسبات في لبنان. كان الوضع مثالياً له مع عهد ميشال عون الذي عقد معه تحالفاً استراتيجياً وأمَّن له غطاء مسيحياً من موقع رئاسة الجمهورية. وكذلك كان مع وجود سعد الحريري في سدّة الحكومة بعد تسوية لبس فيها ثوباً مغايراً لثوبه السياسي. فصحيح أن التسوية في الظاهر تبدو أنها جرت مع عون لكنها في الباطن هي مع «حزب الله».

يقول أحد المحللين القريبين من «حزب الله» إن «الحزب» أدرك بعد استقالة الحريري أن ثمة قراراً أكبر من الرجل قد نجح بسحب الغطاء الذي كان يُشكله الحريري له. بات «الحزب» مكشوفاً، فاعتبر أن المطلوب سريعاً حكومة، بحيث يمكن معها وأد الشارع من جهة، وتمرير المرحلة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية من جهة ثانية. فوظيفة الحكومة ليست الإنقاذ بل إطالة الأمد قبل الانهيار، ذلك أن عنوان المواجهة القائمة هو من يصرخ أولاً، ومن يصمد أكثر في سياسة ليّ الأذرع.

حساباته غير محصورة على امتداد مساحة لبنان بل على امتداد مساحة الصراع الأشمل التي تتعدى حدوده الجغرافية، والذي يشكل هو جزء منها ورأس حربة في المشروع الإيراني. هنا لا تعود مهمة ماهية مصلحة لبنان واللبنانيين. المهم أن يكونوا، في خضم الصراع الدائر، في خدمة مشروعه، سواء بالترغيب أو الترهيب. وهذا ما كان محققاً حتى الآن. يُدرك «حزب الله» أن اللبنانيين منقسمون بقوة حول المشروع الإيراني، الذي لا يشبه الكثيرين منهم، ولا توق لديهم في أن يكونوا في عداده، وأن كثراً منهم ينتظرون إلى حين انتهاء المنازلة الكبرى. لكنه لا يأبه لذلك، ما دام اعتراضهم لا يُبدّل في موازين القوى ولا في النتائج.

لكن ثمة مشهداً آخر اليوم. فما سيجري من أحداث لا تعود الكلمة الفصل فيه إلى القوى السياسية التي تقف اليوم خارج الحكومة أو تسمى معارضة مجازاً. فلم يعد بالإمكان لجم مسار الانهيار، وكذلك الدخول في الفوضى. ولو ذهب مجلس النواب مرغماً في الغد إلى فتح اعتماد اضافي بقيمة 1200 مليار ليرة في الموازنة بهدف أن يغطي شبكة الأمان الاجتماعي على مدى الأشهر المقبلة ويعمل على تحفيز الصناعة وللمزارعين لتمرير السنة الراهنة، فإنها لن تكون إلا مسكنات بسيطة للمرض الخبيث، ستفقد فعاليتها سريعاً إزاء الداء المستعصي.

وحدها الحلول السياسية قادرة على وضع لبنان - المريض على سكة الشفاء. وهي تبدأ أولاً وأخيراً بتسليم «حزب الله» بأن عليه أن يخطو خطوات إلى الوراء، ويذهب إلى انتهاج سياسة الحد من الخسائر، بفتح نوافذ بلاد الأرز على المحيط العربي والمجتمع الدولي، ليدخل الهواء إلى الرئة اللبنانية المالية والنقدية والاقتصادية، قبل أن تصبح الأثمان ثقيلة لأمد بعيد، خصوصاً أنه سيواجه معضلة في كيفية بناء جسور الثقة مع الأطياف على المقلب الآخر.

رلى موفّق