بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الأول 2019 12:00ص ... والآتي أعظم

حجم الخط
هل هي مصادفة ان تأتي زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل إلى لبنان، غداة الاستشارات النيابية التي أفضت إلى تكليف الدكتور حسان دياب المحسوب من قِبل الإدارة الأميركية على حزب الله كما شاع في وسائل الإعلام الغربية نقلاً عن مسؤولين اميركيين، أم ان الزيارة كانت مقررة مسبقاً لإيصال الرسائل إلى المسؤولين اللبنانيين بأن الولايات المتحدة حريصة على استقرار لبنان وازدهاره، ولا تتدخل في شؤونه الداخلية، وفي خياراته للخروج من ازمته؟

بصرف النظر عمّا إذا كانت الزيارة أتت بعيد تكليف الدكتور دياب تشكيل الحكومة بدعم من رئيس الجمهورية وتياره، وبإصرار من الثنائي الشيعي وملحقاته من قوى الثامن من آذار الرافضة لأي تدخل أميركي في شؤون لبنان الداخلية، فإن المواقف التي أطلقها الموفد الأميركي بعد جولته على الرؤساء الثلاثة، عون وبري والحريري حملت عدّة رسائل تطمين لمن يعنيهم الأمر بأن الإدارة الأميركية لا تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، وجل ما يهمها هو حث القادة السياسيين في لبنان على الالتزام واجراء إصلاحات هادفة ومستدامة يمكنها ان تقود إلى لبنان مستقر ومزدهر وآمن، بعيداً عن المصالح الحزبية والعمل من أجل المصلحة الوطنية ودفع عجلة الإصلاحات وتشكيل حكومة تلتزم وقادرة على اجراء تلك الاصلاحات وليس لدى الإدارة الأميركية أي دور في قول من الذي ينبغي ان يتولى رئاسة الحكومة وتشكيلها أو بالأحرى أية حكومة كما جاء في التصريح المكتوب للسفير هيل بعد اجتماع برئيس الجمهورية، من دون ان يغفل دعم حكومته للاحتجاجات الجامحة وغير الطائفية والسلمية، التي تعكس مطلب الشعب اللبناني الطويل الأمد في إصلاح اقتصادي ومؤسساتي يضع حداً للفساد المستشري ودعوتها القوى الأمنية إلى مواصلة ضمان سلامة المتظاهرين أثناء مشاركتهم في التظاهرات السلمية وإلى ضبط النفس من قبل الجميع إذ ليس هناك مكان للعنف في الخطاب المدني.

هذا الشق الأخير من الرسالة التي حملها موفد وزير الخارجية الأميركية إلى المسؤولين اللبنانيين كافة ان دلت على شيء، فإنها تدل على مدى اقتناع ادارته بانتفاضة الشعب اللبناني على حكامه الفاسدين الذين اوصلوا البلد إلى حافة الانهيار المالي والاقتصادي، وهذا الموقف بحد ذاته كاف ليعرف هؤلاء الحكام ان الشعب اللبناني غير متروك دولياً وان عليهم الرضوخ لمطالبه بدءاً بقيام حكومة تمثل إرادته في اجراء الإصلاحات الهيكلية والبنيوية المستدامة والتي تُلبّي كل مطالبه وتطلعاته التي نزل إلى الساحات من أجلها وتظاهر ضد الطغمة الحاكمة التي اوصلته إلى تلك الحالة السيئة على كل المستويات، واوصلت البلد إلى الحالة المأزومة جداً التي وصل إليها فيما هي تتلهى بتقاسم الحصص والغنائم ونهب المال العام، وبالخلافات والمناكفات ضاربة بعرض الحائط مصالح الشعب وحقوقه الطبيعية المشروعة متذرعة بأن هناك أيادي خارجية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية كانت وراء الحراك أو الانتفاضة الشعبية العارمة والعابرة لكل الطوائف والمذاهب ولكل الانتماءات الحزبية والمناطقية.

ان أهمية الموقف الأميركي تكمن في مجموعة هذه الرسائل التهدوية التي حملها لا سيما إلى حزب الله الذي دأب مسؤولوه منذ اليوم الأوّل لانطلاقة الانتفاضة على شيطنتها بإطلاق تهمة الرضوخ للاملاءات الأميركية وليس نتيجة سوء إدارة السلطة الحاكمة وهو واحد منها، إلى رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر اللذين شكلا بتعنتهما جسر عبور للحزب لكي يتمكن من القبض على البلد وتكبيله من خلال الانقلاب الأخير الذي نفذه خلال المرحلة التي سبقت إيصال الشخص الذي يناسبه ويتجاوب مع مشروعه الإقليمي لرئاسة الحكومة الأمر الذي أعاد إشعال شرارة الانتفاضة الشعبية وأعاد وضع لبنان كلّه في نفق مظلم مفتوح على أسوأ الاحتمالات، وما شهدته الساحات بعد التكليف سوى دليل على ما هو مقبل على لبنان.