15 تموز 2020 07:33ص وزير الخارجية الفرنسية لا يحمل في جيبه مبادرة بل أفكار وتحذيرات

عملية التفاوض بين لبنان وصندوق النقد أبطأ من مشي السلحفاة

حجم الخط
سبع عشرة جلسة تفاوضية إلى الآن مع فريق صندوق النقد الدولي والنتيجة ما تزال صفراً. فالصندوق ما زال يوجه تحذيراته المتتالية بضرورة الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لفتح الطريق أمام وصول المساعدات، والحكومة اللبنانية تقف حائرة وتعمل على قاعدة العين بصيرة واليد قصيرة، فهي تحاول الإصلاح، لكنها لا تعرف من أين تبدأ، فالمطلوب منها الكثير وهي لا تملك فعل الا القليل، وهو ما يجعل العملية التفاوضية تسير أبطأ من مشي السلحفاة، فيما التطورات المتسارعة على كل الصعد تنذر بنتائج وخيمة تنتظر لبنان خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

ربما يسأل سائل ما دامت الأمور مقفلة مع صندوق الصندوق الدولي فلماذا الاستمرار اذاً بالعملية التفاوضية التي إلى الآن لا تسمن ولا تغني من جوع؟

من البديهي القول إن التواصل مع الصندوق الدولي في مثل هذه الظروف التي يمر بها لبنان، هو أمر ضروري، فالغريق غالباً ما يمسك بقشة، وما دامت كل الأبواب مقفلة بوجه لبنان ولا توجد الا نافذة الصندوق مفتوحة، فما عليه إلا أن يذهب في اتجاه هذا الصندوق طلباً للمساعدة مهما كان حجمها عملاً بالمثل القائل «بحصة تسند خابية».

إلى الآن لم تبرز أي معطيات تفيد بأن الوصول إلى تفاهم مع الصندوق يفضي الى اتخاذ قرار بمساعدة لبنان، لا بل ان المؤشرات توحي بأن عملية التفاوض الجارية كمن ينحت بالصخر، فالمراوحة في المكان نفسه ما تزال سيّدة الموقف، ففريق الصندوق لم يتراجع قيد انملة عن مطالبه الإصلاحية، والحكومة لم تتقدّم ولا خطوة واحدة على هذا الطريق وهو ما يعني أن أمد الأزمة النقدية والاقتصادية سيطول، ويفتح معه الأبواب على احتمالات كثيرة غالبيتها إن لم نقل جميعها غير مريح، خصوصاً وأن بعض المطلعين علي مسار العملية التفاوضية يرون أن توقف التفاوض سيخلق أوضاعاً غير مريحة على مستوى الداخل اللبناني، بعد بروز مشاهد لم يألفها لبنان حتى إبان الحرب الأهلية في ما خص ازدياد المواطنين الذين يقصدون أماكن القمامة بحثاً عن بقايا أطعمة يسدون بها جوعهم وجوع أطفالهم، ناهيك عن الغلاء الفاحش الذي طرأ على أسعار المواد الغذائية وخلافه.

الحكومة تتعامل مع الإصلاحات المطلوبة على قاعدة العين بصيرة واليد قصيرة

في ظل هذه الاجواء غير المطمئنة على مستوى المحاولات الجارية لجلب المساعدات، تتجه الأنظار إلى الزيارة المرتقبة لوزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان إلى لبنان، علّ وعسى ينجج في فتح كوة في الجدار الدولي المقفل بوجه لبنان، لا سيما وأن باريس وقفت في أحلك الظروف مع لبنان وما تزال تشدد في كل مناسبة على وقوفها إلى جانب استقرار وسيادة وأمن لبنان.

وإذا كانت فرنسا تبدي حرصاً واضحاً على عدم السماح للبنان بالانزلاق باتجاه الهاوية، فإنها لا تملك وحدها السبل الناجعة التي تمنع هذه الخاتمة للبنان، لكن ما هو متوافر من معلومات فإن السلطات الفرنسية تحاول بالقدر الممكن حث لبنان على التجاوب مع مطالب المجتمع الدولي الإصلاحية، لأنها تعلم علم اليقين انه من دون تحقيق هذه الإصلاحات لن يكون هناك مساعدات.

ووفق المعلومات فإن الوزير الفرنسي لا يحمل في جيبه أي مبادرة أو حلول عملية للأزمة الراهنة وان كل ما يحمله مجرّد أفكار سيحاول طرحها على المسؤولين اللبنانيين، كما انه يحمل كماً وافراً من التحذيرات لاطلاق عجلة الإصلاحات قبل فوات الأوان، سيما وأن التطورات في المنطقة تجعل لبنان غير موجود على أجندة الأولويات الدولية وهذا بحد ذاته يُشكّل دافعاً للبنان لكي يعتمد على نفسه، قبل ان يطلب المساعدة من الآخرين.

وفي هذا السياق تبدي مصادر سياسية متابعة خوفاً شديداً من وقوع لبنان في المحظور مع قابل الأيام ما لم تنجح الاتصالات والمشاورات التي يجريها على غير صعيد من فرملة اندفاعة الانهيار المالي والاقتصادي.

وفي رأي هذه المصادر ان الوقت ليس في صالح لبنان، فالولايات المتحدة الأميركية ومعها دول أوروبية قد تستغل بعض الاستحقاقات المقبلة لاستخدامها ورقة ضاغطة ضد لبنان، ومن بين هذه الاستحقاقات المحكمة الدولية التي تستعد للنطق بالحكم في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الأسبوع الأوّل من الشهر المقبل، كما ان واشنطن تعتبر هي المستفيدة الأولى من الجدل البيزنطي الدائر بين لبنان والصندوق الدولي حول تحديد الخسائر، لأن استمرار هذا الوضع على حاله يُساعد الإدارة الأميركية على مواصلة تشديد الخناق على لبنان لتعديل موقفه من مسألة الحدود البحرية، وكذلك للضغط على «حزب الله» في ما خص الصواريخ الدقيقة. كل ذلك يبعث على الخوف من ان يحمل قابل الأيام المزيد من المآسي على لبنان، ويزيد من الاندفاعة في اتجاه التدهور المالي والاقتصادي غير المحدود.