بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 نيسان 2024 12:00ص ويستمر زمن الاستبداد

حجم الخط
وماذا عن الحزبية العربية مقصد بحثنا؟ وأين حالها وأحوالها؟ هل كانت هذه الأحزاب منتجة أم كارثية وصارت الى الفشل وأصبحت نقمة على البلاد والعباد؟ هل كانت عامل توحيد لمجتمعاتها أم عامل فرقة وانقسام؟ عامل قوة أم ضعف؟ هل حافظ بعض أعضاء هذه الأحزاب أو التنظيمات على العهد والوعد والقسم الذي اقسموه أمام الله وأمام اخوانهم في الكفاح والنضال؟ أم نسوا وتناسوا كل هذه الوعود والقِيَم وراحوا الى الوسواس الخناس يستعيرون منه جملة أباطيل ومزاعم لا تسمن ولا تغني من جوع؟!
من هذه المقدمة استكمل ما سبق وكتبته في مقالتي بعنوان: «عصر الاستبداد» ونشر بجريدة «اللواء» الغرّاء يوم ٤ من الشهر الحالي نيسان وهذا ما وعدت به. ان الاستبداد الذي يمارسه فرد أو فئة أو عائلة ليس له صورة واحدة وإنما يأتي بصور متعددة وهو وليد عقول مريضة ونفوس فاقدة الثقة بأنفسها وتتوهم بأنها المنقذ وصاحب الحق الإلهي الذي مارسه قديما رجال الاكليروس والكهنة وملوك، أدانهم التاريخ الإنساني ومع ذلك يستمر الاستبداديون والمطبلون لهم كثروا أم قلّوا الى أن يكتشفوا سوء أفعالهم.
وكانت الديمقراطية هي الجواب الحاسم لمواجهة الاستبداد الذي فوّت على البشرية أزمنة طويلة وفوّت على الإنسانية استمرار سير قطار الحضارة والتقدّم وأدخل العالم في صراعات وحروب كلّفت المجتمعات تضحيات جسيمة كانت بغنى عنها لو استمرت سيادة العقل ونور العلم والهداية لما يفيد الإنسان والإنسانية جمعاء.
وسقط الاستبداد ورجاله وان ما زال ماثلا في سلوك دول ورئاسات وحكومات لن تحصد بالنهاية إلّا الفشل والإدانة.
وفي وطننا لبنان الذي ذبحوه ويحاولون إزالته والخلاص منه لأنه الوطن شبه الوحيد بين الدول العربية الذي فيه روح الديمقراطية ويجري الاحتكام إلى مؤسساته والسيادة والاحترام لدستوره وأنظمته وظل وطنا ينتخب مجلس النواب فيه رئيس الجمهورية ويمارس صلاحياته لمدة ست سنوات فقط ولا تجديد ولا تمديد لولايته، وقد أعطى الرئيس الشجاع حقا اللواء فؤاد شهاب طيّب الله ذكراه المثل والمثال في الوطنية والالتزام بدستور البلاد وقوانينها وخرج من الحكم فقيرا لا ناهبا مالية الدولة هو وعائلته والأقرباء والحاشية، والمعنى لما نراه وعشناه في دول عربية أخرى رئيس إلى الأبد والنظام الجمهوري فيه أصبح بالممارسة نظام ملكي حتى يتوفى الرئيس، لقد اسقطوا مسألة تداول السلطة التي حوّلوها إلى ملكيات خاصة لباباوات الطوائف أو المذاهب، فأضحت هذه الوزارة ملكا لفريق طائفي أو مذهبي معين بل مسجلة وموقوفة لزعيم طائفي مليشيوي بعينه تحت اعتبارات طائفية ومذهبية بل صارت الدولة والوطن كله موقوفا باسم الطوائف والمذاهب والعنصريات إلى دول خارجية ذات أطماع واضحة ليس على الوطن اللبناني ومواطنيه فحسب بل على عموم دولنا العربية التي لم يعد فيها سلطة أو سلطات مستقلة وانتشرت على أراضيها قواعد عسكرية وجيوش لدول أجنبية تحت اعتبارات حماية الوطن أو حماية الرئيس، وتحوّلت الأوطان العربية إلى رقع شطرنج موزعة بين الدول الأجنبية تحت ادّعاءات المساندة والمساعدة الوهمية.
هذا هو الاستبداد بعينه، ومن مأساتنا بل من كوارثنا اللبنانية انعدام القدرة على انتخاب رئيس الجمهورية بل استجلاب دول أخرى أجنبية وعربية وبينها دول عربية كبرى كمصر التي كانت تقود الكثير من دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية زمن الرئيس القائد جمال عبد الناصر الذي عاش لمصر ولأمته العربية ودخل للحكم فقيرا وخرج أكثر فقرا، واستشهد وهو في ساحة الميدان لحل الصراع الدموي الذي ساد في تلك الفترة بين القيادة الفلسطينية والنظام الأردني، وجاء تحرك الشعب الفلسطيني البطل في معاركه الرائعة ضد الاحتلال الصهيوني بمعركتي سيف القدس وطوفان الأقصى ومساندة أميركا ومعظم دول الغرب للكيان الصهيوني الذي ارتكب المجازر الخطيرة بحق الشعب الفلسطيني الثائر تحت سمع وبصر العالم أجمع ومنه دول عربية بعضها مشارك مع الصهاينة وبعضها الآخر في موقف المتفرج ان لم نقل الشريك في التآمر على فلسطين والقضية الفلسطينية.
ان العدوان الإسرائيلي على غزة ومدن فلسطينية أخرى قد كشف كل المخفي عربيا وبان العجز العربي ان لم نقل التآمر على القضية الفلسطينية وإبادة الشعب الفلسطيني التي تمارسها إسرائيل بدعم أميركي وغربي مفتوح وبصمت عربي مفضوح وكأن شعار تحرير فلسطين قد طوي من أجندة النظام العربي ودوله وجامعتهم التي باتت في موقع شاهد الزور الأكبر وصار كل ذلك من مسؤوليات قوى المقاومة الشعبية التي تقاوم وتناضل خارج الأنظمة، وهذا نوع جديد من أنواع الاستبداد الذي كشف ويكشف زيف الشعارات العربية الرسمية.