بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 كانون الأول 2019 12:00ص يُؤلّف ولا يُؤلّفان

حجم الخط
الفرضية هي تفسير لظاهرة ما، بناءً على معطيات، لا تصبح حقيقة إلا عند إثباتها بالدليل القاطع.

منذ بداية الثورة تبنّى وزير العهد نظرية أنّ «المظاهرات ليست موجّهة ضدنا»، وعمل جاهداً بعد استقالة الحريري لإثبات صحة نظريته من خلال الضغط لإعادة فتح الطرقات وعودة الحياة الى طبيعتها، رابطاً الحل الميداني بالحل السياسي، وسارت الأيام ولم تزدد معها سوى سياسة الإنكار والمكابرة لتتسع معها الهوّة بين الشعب والسلطة، وتفضح هشاشة هذا النظام وسطحيته في ادارة هذه الأزمة، فيما كان لافتاً طوال هذه الفترة ظهور مشهدين الأول شعبي وآخر سياسي.

على صعيد الشعبي، لم نر سوى مواطنين لبنانيين نزلوا، مُطالبين بحقّهم في عيشةٍ كريمة تتضمّن أدنى حقوق أي مواطن في العالم من كهرباء وتعليم وطبابة وبنى تحتية، لكن النتيجة كانت بدايةً من أزمة البنوك وصرف الدولار، وصولاً الى الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأولية والغذائية، ناهيك عن ازمة البنزين والمحروقات، فترى المواطنين أذلاء على محطات الوقود، فيما القسم الآخر عالق على طرقات الوطن جرّاء غرقها بعد أوّل شتوة، وكأنك «يا أبو زيد ما غزيت».

أما المضحك المُبكي فكان في المشهد السياسي، حيث ذهب مسؤولون في عواصم الدول يتسابقون لعقد اجتماعات للبحث في الأزمة اللبنانية، محاولين إيجاد آلية خروج ممكنة من هذه الكارثة المالية عبر مؤتمرات دعم وتوقيع عقود استثمارية لضخ السيولة المطلوبة في العجلة الإقتصادية، فيما تسابق سياسيو لبنان في تسجيل النقاط وتصفية الحسابات الشخصية، ليغرقوا معها في وحل المناكفات السياسية والمحاصصة، متناسين أنّ مرحلة ما قبل السابع عشر من تشرين ليست كما بعده.

على الصعيد الحكومي، فقد شهدنا سابقة في تاريخ الجمهورية اللبنانية من حيث تأجيل موعد الاستشارات واللعب على الدستور باعتماد مبدأ لا استشارات قبل الاتفاق على إسم الرئيس المكلّف من جهة، وتجاوزاً لصلاحيات الرئاسة الثالثة، عبر تحديد شكل الحكومة قبل التكليف من جهة أخرى، فتعدّدت البيانات ابتداءً من بيان العائلات البيروتية والشخصيات والفاعليات المناطقية، وصولاً الى رسالة سماحة مفتي الجمهورية مروراً ببيان رؤساء الحكومات السابقين، فكان الموقف واحداً بأنّ لا غطاء «سنيّاً» على أي رئيس مكلّف شكلياً يحكم حكومة مُعلّبة مُسبقاً، بالعودة إلى المضمون فكانت رسالتين مهمّتين:

1- لم يعد مسموحاً بعد اليوم بأي تطاول على صلاحيات الرئاسة الثالثة لأنّه سيواجه بالرفض.

2- أي رئيس حكومة غير سعد الحريري أو لا يحظى بغطاء الطائفة ككل هو مَنْ يتحمّل بشخصه مسؤولية أي فشل.

فقبل هذا الموقف الموحّد كانت واضحة محاولة وزير العهد المناورة، أولاً عبر «زرك» الحريري بإسم المرشّح وثانياً عبر تحديد أوّل موعد لكتلة الرئيس الحريري، خلافاً للبروتوكول والهدف من كل ذلك تحميل الحريري المسؤولية الكاملة عن أي فشل في الحكومة المرتقبة، لأنَّ مَنْ يربط عودته بعودة الحريري إلى الحكومة يعلم علم اليقين بأنّ عدم مشاركته في الحكومة المقبلة سوف تُضعِف حظوظه بالوصول الى سدة الرئاسة.

فيما الخيارات الممكنة للاستشارات النيابية الإثنين المقبل إنْ بقيت فهي مقسومة الى أربعة:

الخيار الأوّل تسمية سعد الحريري، وبالتالي إعطائه كافة أوراق اللعبة لعدم تحديد الدستور مهلة للرئيس المكلّف ما يعني إما تأخير في التشكيل الى وقت لا يعلمه إلا الله، وإما القبول والسير في حكومة الإختصاصيين (وهذا ما استبعده).

الخيار الثاني فهو الذهاب إلى تسمية شخصية أخرى ما قد يولّد صراعاً مع الشارع «السني» المتمسّك بالحريري، بالإضافة الى شارع الثورة، الذي هو بالأصل ثائر على هذه الطبقة ككل، وذلك يعني حكومة اللون الواحد ما سيترتب على ذلك من ضغوطات خارجية على لبنان قد تصل الى حد العقوبات.

أما الخيار الثالث فهو الاتفاق على إسم وسطي من خارج الطبقة السياسية الحالية يحظى برضى جميع الأطراف، وهذا يتطلّب اتفاقاً خارجياً يتبلور داخلياً.

أما الخيار الأخير فهو تأجيل آخر للاستشارات النيابية لموعد يحدد لاحقاً. لننتظر ونرى..



نديم محمد الملاح