بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 أيار 2024 12:00ص ذكرياتي مع الاتحاد العمّالي خلال عملي في «اللواء»

حجم الخط
أخذتني الذاكرة بمناسبة عيد العمال إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما عملت في الصحافة الاقتصادية في صحيفة «اللواء» بالتوازي مع متابعة دراستي في كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية.
وقتها، كان البلد، منقسماً «شرقية وغربية»، وخطوط التماس تفصل بينها، وكان الانتقال من شطر إلى شطر محفوف بالمخاطر.
وطبيعة عملي الإعلامي، كانت تقتضي تغطية ومتابعة أخبار ونشاط الاتحاد العمالي العام، مما أسهم في أن أتمكّن من بناء علاقات طيبة ووطيدة مع أبرز قادته البارزين، الذي كان كل واحد منهم يوازي بفكره ونضاله رجالات السياسة، ومنهم: أنطوان بشارة وحبيب زيدان وحسيب عبد الجواد وإلياس الهبر وتوفيق أبي خليل، وغيرهم.
رغم الإنقسام السياسي الحاد في البلد، الذي كان يترجم حروباً عبثية بين الفرقاء المتصارعين، فإن الاتحاد العمالي العام حافظ على وحدته وتماسكه وصلابته في حمل القضايا العمالية والإجتماعية بروحية وطنية جامعة، رغم أن تركيبته الهيكلية، كانت تضم أعضاءً من مختلف الأحزاب المتصارعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
اللافت حينها، أن أعضاء الاتحاد كانوا يشكّلون أداة ضغط في أحزابهم، لتبنّي مواقف وتوجهات الاتحاد، بدلاً من أن يكونوا أدوات تستخدمها أحزابهم للهيمنة على الاتحاد.
ولهذه الغاية، كانت تعقد اجتماعات الاتحاد في مدرسة «الفرنسيسكان»، كأرض محايدة بين خطي التماس الذي يفصل شطري العاصمة، حيث كان يتعذر الوصول إليها بالسيارات، بسبب الدشم والمتاريس، وربما الألغام، فكان السير على الأقدام هو الوسيلة المتاحة للوصول الى مقر الإجتماع، سواء من قبل أعضاء الاتحاد أنفسهم، أو الصحافيين المكلفين بالتغطية الإعلامية. ولا يمكن أن ننسى كم من مرة كنا نتعرّض للمخاطر الحقيقية من جراء القنص والقصف، حتى في بعض المرات كنا نضطر بالبقاء داخل المدرسة لساعات طويلة، حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
لا أخفي سراً إذا قلت، أن تلك الروحية الوطنية الجامعة التي كانت مخيّمة على أعضاء الاتحاد، وعلى أجواء إجتماعاته ومواقفه، في زمن الإنقسام والحروب، جعلني وبشكل عفوي وربما عاطفي أيضاً أن أنحاز في عملي الصحافي بشكل واضح للاتحاد، علماً أن ذلك يتنافى مع مبادئ وقواعد المهنة.
وأتذكّر في هذا الإطار، أن عميد «اللواء» المرحوم الأستاذ عبد الغني سلام ورئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام كانا يطلبان مني «التخفيف» من تبنّي مواقف الاتحاد، خصوصاً عندما كان يشنّ حملات على الحكومة آنذاك، التي كان يرأسها الرئيس سليم الحص، لأن كان لديهما خشية من أن تكون مواقف الاتحاد التي تستهدف الرئيس الحص، من ضمن الحملة السياسية التي كان عرضة لها من فريق سياسي معيّن.
وكي لا أطيل الكلام بشأن هذا الموضوع، طلب مني المرحوم الأستاذ عبد الغني، دعوة أمين الاتحاد المرحوم حبيب زيدان، الذي ربطتني به علاقة صداقة وصراحة، لزيارته في مكاتب الجريدة.
رحّب المرحوم الريّس حبيب وتمّت الزيارة، فاجتمع الى الأستاذين سلام، اللذين طلبا مشاركتي. وكان موعد الزيارة الساعة السادسة مساءً، وهو وقت الذروة لإقفال الصفحة الاقتصادية.
استمر الإجتماع ثلاث ساعات، تخللها حوارات ونقاشات معمّقة تتعلق بالقضايا السياسية والاقتصادية والعمالية، وبالتأكيد سياسة الاتحاد العمالي ومواقفه. لم يكن التطابق في الآراء حول المواضيع التي طرحت، رغم النقاش الموضوعي والراقي، إلّا أنه أفضى إلى التوافق بينهم على مسلمة شكّلت ثابتة مشتركة بينهم، تتمثل بضرورة إحترام مقام رئاسة الحكومة، وتجنّب أن يتحوّل إلى «كيس رمل»، فتعهد المرحوم زيدان بأن يكون المدافع داخل الاتحاد عن المقام، وخصوصاً أنه في ذلك الوقت، (قبل الطائف)، الممارسة السلطوية أقرب إلى النظام الرئاسي...
انتهى الاجتماع الساعة التاسعة، وفي طريقي إلى مكتبي لإنجاز عملي الذي تأخّر، يعاجلني سكرتير التحرير المرحوم وليد زهر الدين «الغاضب بهدوئه المعهود»، لا داعي لتكمل طريقك الى مكتبك لأنني «أقفلت» الصفحة عنك...