بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 آذار 2019 11:39ص محاسن حدّارة سفيرةٌ عالميّةٌ للنوايا الحسَنة… وتجلّياتُ جلجلةٍ إسلاميّةٍ على درب الصليب والمزامير

حجم الخط

ربّما كان من محاسن الصدف في هذا الزمن الإعلاميّ الرديء أنّ ثمّة صبيّةً أخذت على عاتقها في الآونة الأخيرة عناء البحث عن حقائق الأشياء وأبعادها في غمار مهنة المتاعب، فإذا بها تمضي قُدمًا على دروبٍ شاقّةٍ لم يجرؤ الآخرون منّا على التوجّه إليها يومًا في وطنٍ لا يزال أبناؤه يعانون بشدّةٍ من انفصامٍ تامٍّ في تطبيق مبدأ "العيش معًا” فوق ربوع أرضه، حيث الورم الطائفيّ غالبًا ما يُصنَّف في الدماغ اللبنانيّ خبيثًا، شاهرةً إسلامها الذي تعتزُّ به كدينِ سلامٍ ومحبّةٍ وتسامحٍ وعدلٍ، ومتسلِّحةً بقلمٍ نقيٍّ وجليلٍ وهادفٍ، أملًا في إعادة الاعتبار إلى القيَم الإنسانيّة التي يُفترَض أن تجمعَ رعايا الأديان السماويّة الثلاثة وتوطِّدَ أواصر الأخوّة بين بعضهم البعض، وكذلك في إعادة الاحترام إلى ما كان يُسمّى حتّى الأمس القريب "السلطة الرابعة”، ولا سيّما أنّ الصحافة لم يُقدَّر لها أن تصمد على مرّ السنوات الطويلة الماضية إلّا لكي تبقى رسالةً تثقيفيّةً وتنويريّةً ومعرفيّةً وقيَميّةً في آنٍ معًا، قبل أن تغزوها جيوش التجّار والمرتزقة والمستزلمين، وتعيث فيها فسادًا مثلما تفعل جحافل الجراد عادةً في حقول القمح… وأكثر.

البصمة الإنسانيّة

هذا الكلام الذي كنتُ قد كتبتُه يوم الثامن من شهر كانون الثاني (يناير) عام 2017 لموقع "لبنان 24” الإخباريّ، قبل أن تُعيد جريدة "اللواء” العريقة نشره في اليوم نفسه، مفتتِحًا بذلك موسم الإضاءة بعُمقٍ وموضوعيّةٍ على فكر الزميلة العكّاريّة والمجسِّدة لأصالةِ وعراقةِ الزمن اللبنانيّ الجميل محاسن حدّارة، سرعان ما عاد نهار أمس الثلاثاء بفرحٍ إلى ذاكرتي بعدما قرأتُ خبرًا سعيدًا مفاده أنّ منظّمة "Global Goodwill Ambassadors” العالميّة غير الربحيّة التي يرأسها البروفسور ريتشارد ديبيلا، والتي تتّخذ من الولايات المتّحدة الأميركيّة مقرًّا لها، اختارتها سفيرةً عالميّةً للنوايا الحسَنة تكريمًا لعملها كمتطوِّعةً لخدمة الإنسانيّة العالميّة ونشْر ثقافة الحوار والسلام عبْر كتاباتها ونشاطاتها لمكافحة خطاب الكراهية والإرهاب، وهو اختيارٌ موفَّقٌ جدَّا بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، ولا سيّما بعدما كانت الزميلة الجميلة قد أسَّست خلال العامين الماضيين "المركز الشبابيّ للحوار” في لبنان بغية إضفاء البُعد الأكاديميّ على أسلوب العمل في مجال إيصال رسالتها التنويريّة إلى المتلقّين بأفضل وسيلةٍ هادِفةٍ ممكنةٍ، فضلًا عن أنّها لا تفوِّت عادةً أيَّ مناسَبةٍ من دون أن يكون لها البصمة الأبرز على صعيد الدعوة إلى ترسيخ ثقافتيْ المحبّة والتسامُح بين الناس أجمعين، ومساعدة ضعفاء المجتمع تحت مظلّة الإنسانيّة.

المغضوب عليهم

على هذا الأساس، وبالعودة إلى ما جاء في مقالي الآنف الذكر، يُصبح من الممكن التسليم يقينًا، وليس جدلًا، بأنّ الزميلة حدّارة أوشكت على التحوُّل إلى رمزٍ يكاد أن يكون استثنائيًّا ونادرًا في زماننا الراهن، وذلك على خلفيّة ما دأب قلمها الشجاع على أن يبوح به من شذراتٍ ومواقفَ ومقالاتٍ، بدءًا من ذلك اليوم الدمويّ العصيب من شهر حزيران (يونيو) عام 2016 عندما أرادت التعبير عن تضامُنها مع أبناء بلدة القاع الحدوديّة اللبنانيّة في مواجهة تداعيات مصابهم الأليم جرّاء سلسلة عمليّات التفجير الداعشيّة التي استهدفتهم بالأحزمة الناسفة وقتذاك، فكتبَت ما مفاده أنّ مسيحيّتها في القاع تنادي إسلامها، مرورًا بفاجعة نحر الأب جاك هامل أمام مذبح كنيسة سانت إتيان دو روفراي قرب مدينة روان الفرنسيّة على أيدي الدواعش أنفسهم في شهر تمّوز (يوليو) من العام نفسه، حيث صلَّت إلى سيِّدة نساء العالم مريم العذراء لكي تعجِّل في مجيء يسوع المخلِّص، ووصولًا إلى ما عبّرت عنه من أحاسيسَ مرهفةٍ في اليوم الأوّل من أيّام عام 2017 من وحي حزنها على ضحايا الهجوم الإرهابيّ الذي استهدف روّاد ملهى "رينا” في اسطنبول، عندما كتبت مقالًا تحت عنوان "العالم بين الصراط المستقيم والمغضوب عليهم”، وجاء فيه: "يا شعب الصراط المستقيم لا تيأسوا من نشْر السلام والرحمة والمودّة بين الناس أجمعين من مختلف أتباع الأديان والحضارات والثقافات”، وهو المقال الذي استشهدت فيه بقول الله تعالى في إحدى آيات سورة هود: "ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة”.

الكتب الثلاثة المقدَّسة

ولعلّ أجمل ما في فكر محاسن حدّارة وأجرأه في مجال التأكيد على أهميّة تلاقي الثقافات والحضارات والأديان، لا يتمثَّل في الاستشهاد بآياتٍ من الذِكر الحكيم وحسب، بل ينهَد أيضًا إلى اختراقِ خطوطٍ حمراءَ لطالما ظلَّت مستعصيةً على الاقتراب منها أو ملامستها خلال ما يُقارِب الثمانية عشر عامًا من الزمان، وتحديدًا في أعقاب "هجمات الحادي عشر من أيلول” عام 2001 على برجيْ مركز التجارة العالميّ في نيويورك ومقرّ البنتاغون في واشنطن، أيْ عندما أصبح الإرهاب، بقدرةِ قادرٍ وفضائيّاتٍ مشبوهةٍ وإعلامٍ مشوَّهٍ، ماركةً حصريّةً مسجَّلةً في إخراجاتِ قيدِ كافّة المسلمين، وسِبةً مطبوعةً على جبينهم، ولا سيّما أنّ الزميلة محاسن لم تكفَّ يومًا عن التذكير بأنّها مسلمةٌ تؤمن بالمسيحيّة واليهوديّة، وتضع الإنجيل والتوراة في مكتبتها إلى جانب القرآن، وتنبذ الإرهاب، فضلًا عن أنّ أجمل ما في فكرها وأجرأه أيضًا، يتمثَّل في أنّ أصداءه بدأت تأخُذ أبعادًا عالميّةً، وبلغاتٍ مختلفةٍ، الأمر الذي وصل إلى حدِّ قيام أحد الصحافيّين الأميركيّين بالتعهُّد بأنّه قرَّر تسخير كلّ طاقاته ومواهبه من أجل خلقِ عالمٍ حيث السلام ممكنًا، بعدما قرأ ابتهال الزميلة اللبنانيّة يوم اغتيال الأب جاك هامل نحرًا أمام مذبح كنيسته في فرنسا، وخصوصًا عندما قالت: "سأدافع عن اليهوديّة إذا ظُلِمت، وأحمي المسيحيّة من كلِّ شرٍّ، لكي أشعر حقًّا أنّني مسلمة”… وحسبي أنّ خلاصة القول هنا، وأغلب الظنّ أنّ الزميلة محاسن تؤمِن بذلك، هي إنّنا إنْ أردنا أن يكون المستقبل صفحةً مشرقةً أمامنا، فعلينا أوّلًا أن ندرس الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أنّه شتّان ما بين اليهوديّة وما بين الصهيونيّة، وشتّان ما بين المسيحيّة وما بين الصليبيّة، وشتّان ما بين الإسلام وما بين الداعشيّة التكفيريّة ومشتقّاتها الظلاميّة، تمامًا مثلما هو الحال عليه ما بين الكتب المقدَّسة التي تُضيء آياتها النور فينا، على غرار ما تفعله محاسن حدّارة بامتيازٍ في سياق رسالتها الإعلاميّة – الإنسانيّة الهادفة، وما بين الكتب المكدَّسة التي يتمترس الظلاميّون وراءها بغية الانقضاض على بعضهم البعض، ومن ثمّ أخذنا من جحيمٍ إلى جحيمٍ… والله والعقل والخير من وراء القصد.

المصدر: يورابيا