بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تشرين الأول 2020 08:32ص «أطفال القمر».. يكافحون الشمس للعيش ولكن.. يكرهون العيش في الظلام

حجم الخط

يحتمون بالظلام ويهدد حياتهم النور، تحت هذه الشروط يعيش أكثر من 800 شخص في تونس، أغلبهم من الأطفال والشباب، بعيدًا عن الضوء والشمس، ويلقّبون بـ"أطفال القمر".

هؤلاء هم حاملو أحد الأمراض النادرة في العالم الذي يسمّيه الأطباء "المرض اليتيم"، وهو داء وراثيّ ينتشر في عدد من بلدان المغرب العربيّ واليابان وبعض الدول في قارتي أميركا الشماليّة والجنوبيّة وأوروبا، ويقول الأطباء إنّ زواج الأقارب أحد أهم أسبابه.

"أطفال القمر" أو مرضى متلازمة جفاف الجلد المصطبغ، يعانون حساسيّة مفرطة من الأشعة فوق البنفسجيّة، سواء القادمة من الشمس أو من أنواع معيّنة من الإضاءات، وعادة ما يولدون بصحة جيّدة لكن بمجرد تعريضهم لأشعة الشمس في الأشهر الأولى تظهر أعراض غير معتاد، مثل احمرار الجلد وعدم القدرة على النظر إلى الضوء.

ومع الاستمرار في التعرّض للشمس، تظهر علامات أكثر خطورة، منها التصبغات الجلديّة البيضاء والبنية التي تتحوّل بمرور الوقت إلى سرطان في الجلد، وقد يطور المرض أيضًا سرطانات داخليّة سريعة الانتشار في بعض الحالات.

من ناحيته، يقول الدكتور محمد الزغل، الأخصائي في الأمراض الجلدية والفوتوبيولوجيا، ورئيس جمعية مساعدة "أطفال القمر" في تونس، إلى موقع "سكاي نيوز عربية"، إنّ هناك 8 أصناف لهذا المرض، تختلف خطورتها بحسب نوعيّة التصبغات، وأخطرها المجموعة "س" التي يوجد مرضاها أساسًا في محافظات سيدي بوزيد والقصرين وجهة الساحل، حيث تنتشر الزيجات ببين الأقارب.

بحسب الزغل، تزيد خطورة المرض بظروف المناخ، فعند التعرّض لأشعة الشمس تظهر الأورام وتتكاثر، فيما تتسبب إزالتها في تغيّر شكل المريض.

يؤكد الطبيب أنّه لا مجال لإيقاف تطور المرض النادر إلا بالعيش في مكان خال من الأشعة فوق البنفسجيّة، وحماية حامله عبر ارتداء ملابس وأقنعة ونظارات واقية، فضلا عن استعمال دهانات جلديّة على كامل الجسد.

يجاهد "أطفال القمر" ومن ورائهم عائلاتهم، لعيش حياة طبيعيّة، حيث يدرسون ويعملون رغم صعوبة ظروفهم، التي تضطرهم للخروج للأماكن العامة بلباس خاص وقناع واق من أشعة الشمس، يلازمهم مدى الحياة.

في تونس، ورغم أنّهم بالمئات، لطالما أثار "أطفال القمر" الاستغراب كلّما ظهروا بأقنعتهم الخاصة في الأماكن العامة.

فيما تجتهد جمعية مساعدة "أطفال القمر" التي تأسست بمبادرة من عدد من أولياء أمور هؤلاء الأطفال وعدد من الأطباء، في التعريف بالمرض النادر وبالوضعيّة الخاصة لحامليه، حتى بات بإمكانهم الحصول على أقسام دراسة خاصة بهم لا تصلها الأشعة فوق البنفسجية، مع ألواح واقية من هذه الأشعة لنوافذ المنزل والسيارة، مع توفير إضاءة خاصة بهم.

في هذا الصدد، يقول الزغل إنّ أهداف الجمعيّة طبيّة بالأساس، حيث يوفرون لـ"أطفال القمر" لباسًا خاصًا منسوجًا من 3 أنواع من الخيوط التي لا تسمح بمرور الضوء، وهي قابلة للغسل 25 مرة، فضلًا عن أقنعة خاصة تغطي الوجه بالكامل مع بلورة أماميّة مجهزة بمروحة للتبريد وشاحن.

تسمح هذه الأقنعة لمرتديها بالتجول في الخارج تحت أشعة الشمس، من دون أن تطالهم أضرارها بفضل الحماية التي توفرها.

كما توفر الجمعية بشكل مجانيّ لـ"أطفال القمر" الدهانات الواقية من الشمس، والأشرطة القاتمة لتغليف نوافذ غرفهم المعرضة مباشرة للشمس أو سياراتهم، وتعمل على تجهيز قاعات الدرس في بعض المدارس التي يتعلمون فيها بالألواح الواقية والأضواء الخاصة، لتمنحهم الفرصة في التعلم كغيرهم من التلاميذ.

يؤكد الزغل أن حاملي المرض بدأوا يعيشون حياة معتادة بمجرد تطور درجات حمايتهم من الشمس والضوء، حتى أصبح الكثيرون يعيشون حياة طبيعيّة و"منهم من هو بصدد الاستعداد لنيل شهادة الدكتوراه".

يستطرد الطبيب: "في الماضي القريب كان أطفال القمر يغادرون الحياة في سن صغيرة، ولكن مع تطور أساليب الحماية أصبحت معدلات العيش لحاملي المرض تقترب من الطبيعيّة في بعض الحالات".

كما كشف الزغل أنّ تونس حصلت على أكثر من 14 جائزة في مجال رعاية "أطفال القمر"، وأصبحت تعدّ مرجعًا علميًا في مجال البحوث حول المرض، وكلّ ما يتعلق بالتشخيص المبكر والأنواع الجينيّة والعلاج.

غير أنّ المصدر لم يخف ألمه من عدم إيلاء الدولة الجهد اللازم لرعاية هؤلاء المرضى، معتبرًا أنّ مكاسب عدة في قطاع الصحة قد تراجعت بعد احتجاجات 2010، بخاصة في مجال مهنة الطب التي لا تحتمل التداخل مع التجاذبات السياسيّة، وفق تعبيره، مشيرًا إلى ضرورة أن تحظى الجمعيات الطبيّة بتسهيلات خاصة.

بدورها، تقول نادية الجربي (29 عامًا) وهي واحدة من المصابات بهذا المرض النادر، إنّها تعمل في مجال تصميم المصوغات منذ 8 سنوات، وتعتبر ورشتها عالمها الخاص، حيث تعمل وتلتقي العاملين.

تواجه نادية مرضها النادر وتتغلّب عليه بالعزم والتفاؤل، حتى أنّها تذكر بتندر مواقف الناس منها وحتى تنمرهم عليها كلما خرجت للشارع بقناعها الخاص، فتبدو لهم غريبة "ككائن فضائيّ" وفق تعبيرها، غير أنّ نظراتهم المستغربة وتعليقاتهم، حتى القاسية منها، لم تعقها يومًا عن الخروج ومواجهة الناس وممارسة حياتها بشكل طبيعي.

توضح نادية لموقع "سكاي نيوز عربية": "أنا أكره الظلام وأحب الضوء كثيرًا عكس ما يشاع عن أطفال القمر، وفي حياتي اليوميّة أكتفي بحماية نوافذ الورشة بشريط واق من الأشعة فوق البنفسجيّة وأعيش في النور، كما أنني لا أحرم نفسي من الخروج حيث أرتاد قاعة الرياضة والمسرح والسينما، وأعيش حياتي بشكل عادي مع الحرص على حماية نوافذ سيارتي وبيتي وارتداء القناع والملابس الخاصة عند الخروج.

رغم مرضها.. نادية تعيش بشكل طبيعي

(نادية تعيش بشكل طبيعي رغم مرضها)

في منطقة منزل بوزلفة في محافظة نابل، تعمل نادية بجدّ لصناعة مصوغ من العنبر والفضة والكريستال تحت أضواء خاصة، وتخصص وقتًا للرياضة بلباس واق، ولا تتوانى عن متابعة آخر الأفلام والعروض المسرحية.

توضح نادية، أنّه "بعد توفر وسائل الحماية صارت حياة أطفال القمر أسهل"، فهي تتعلم عزف البيانو والغيتار وتدرس اللغات الأجنبيّة وتحلم كغيرها من الفتيات ببيت وأسرة.

كما تأمل نادية في تغيير نظرة الناس لـ"أطفال القمر"، الذين أثبتوا قدرتهم على التأقلم والنجاح.

المصدر: سكاي نيوز عربيّة