بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 كانون الثاني 2020 03:08م أماني بلور.. رحلة طبيبة سوريّة قادها "الكهف" من الغوطة إلى الأوسكار بعد جائزة أوروبيّة

حجم الخط

إلى جانب ثلاثة أفلام أخرى، دخل فيلمان وثائقيان لمخرجَين سورييَن، على خطّ المنافسة على جائزة الأوسكار لهذا العام. الفيلم الأول "من أجل سما" لوعد الخطيب، أمّا الثاني "الكهف"، وهو محور هذا التقرير، فمن إخراج فراس فيّاض، لإلقاء الضوء أكثر على بطلة حقيقيّة عايشت المأساة في غوطة دمشق الشرقيّة، فداوت جراح المئات وأنقذت أرواحهم، بينما كانت رائحة الموت تعبق بهم من كل حدب وصوب.

حظيت بطلة فيلم "الكهف"، الطبيبة أماني بلور، باهتمام إعلاميّ، بخاصة بعد إعلان مجلس أوروبا في 15يناير/ كانون الثاني، عن منح أماني جائزة راوول وولنبيرغ لعام 2020.

فمن هي أماني وما هي جائزة راوول وولنبيرغ التي تمنح مرة كل عامين لشخص أو جهة، لدورها في مجال العمل الإنسانيّ والدفاع عن حقوق الإنسان؟

"أصبح العمل الطبي معاناة"

في أواخر عام 2012 تخرجت أماني من كليّة الطب البشري في جامعة دمشق. كانت تلك سنتها الأخيرة في الجامعة، والسنة الثانية من عمر المظاهرات التي عمّت أرجاء البلاد منذ آذار 2011.

في محافظة ريف دمشق التي تنتمي لها، بدأت أماني كمتطوعة تساعد الجرحى، ثمّ عملت كطبيبة في مشفى ميداني تحت الأرض في الغوطة الشرقية قرب دمشق، اسمه "مشفى الكهف" - وهو محور قصة فيلم الزوجين المخرج فراس فيّاض، وكاتبة السيناريو أليسار حسن.

بقيت تعمل هناك حتى أبريل/ نيسان من عام 2018، عندما انتهى حصار الأعوام الخمسة على غوطة دمشق بتهجير سكانها نحو الشمال.

كانت أماني من بين الذين ركبوا الباصات الخضراء وتهجروا من الغوطة الشرقية، التي كانت من أقوى معاقل المعارضة، نحو الشمال السوري، وبعدها طلبت اللجوء في تركيا، حيث تقيم.

انتخبت أماني، وهي في بداية الثلاثينيات من عمرها اليوم، لإدارة المشفى الواقعة في غوطة دمشق الشرقية، التي يغلب عليها الطابع المحافظ اجتماعيًا، وحيث الوجود القوي للفصائل المسلحة. وقالت في أكثر من لقاء إنها واجهت انتقادات كثيرة من المجتمع، وكثيرا ما سمعت تعليقا مثل "بدنا رجال بهيك مناصب"، في بداية عملها كمديرة المشفى.

حصلت أماني على جائزة راوول وولنبيرغ بفضل "شجاعتها وجرأتها وحرصها على إنقاذ حياة مئات الأشخاص أثناء الحرب السورية"، كما جاء في بيان مجلس أوروبا.

وتعليقا على سبب منح أماني هذه الجائزة، قالت الأمينة العامة للمجلس، ماريا بيتشينوفيتش بوريتش، في بيان: "الطبيبة أماني بلور مثال ساطع للتعاطف والفضيلة والشرف الذي يمكن أن يظهر حتى في أحلك الظروف: وسط الحرب والمعاناة".

"كانت الطبيبة الشابة قد تخرجت للتو من الجامعة. بدأت الدكتورة أماني كمتطوعة تساعد الجرحى، وانتهى بها المطاف بعد سنوات كمديرة لفريق مؤلف من 100 شخص. أصبح "الكهف" منارة أمل وسلامة لكثير من المدنيين المحاصرين. هناك، خاطرت الدكتورة بسلامتها وبأمنها لتساعد من كان بأمسّ الحاجة لمساعدتها. أنقذت هي وزملاؤها حياة كثير من الناس، من ضمنهن أطفال عانوا من تأثير الأسلحة الكيميائية".

في مقابلة تلفزيونية أجرتها أماني أثناء وجودها في تركيا عام 2018، قالت إنّ آخر شهر من وجودها في الغوطة كان "من أسوأ" أيام حياتها كطبيبة؛ ذلك بسبب ما رأته من حالات البتر أجريت، بخاصة لأطفال، وبسبب وضع الأطفال الذين عانوا من سوء تغذية واضطروا للبقاء لأيام متواصلة بلا طعام وبلا ضوء شمس في أقبية غير مجهزة، كما تقول، "شو بدي قول لطفل عمرو 5 سنين يسألني إيدي وين راحت؟،" تقول أماني للصحفي المحاور".

كانت تحلم أماني بالتخصّص بطب الأطفال بعد انتهاء الحرب، لكن في تلك المقابلة قالت إنّها بعد خروجها من الغوطة لم تعد تحتمل العمل مع الأطفال بسبب كلّ ما رأته: "هناك تراكمات نفسيّة لم أستطع تجازوها. أصبح العمل الطبيّ معاناة بالنسبة لي. أنا على مفترق طرق. يجب أن أكمل دراستي لكنّي لست قادرة".

"لغز"وفاة راوول وولنبيرغ

من جهة اخرى، يشار إلى أنّ جائزة راوول وولنبيرغ أطلقت عام 2014، وتبلغ قيمتها 10 آلاف يورو، بمبادرة من الحكومة السويدية والبرلمان الهنغاري. وعام 2016 حصلت عليها جمعية في اليونان اسمهاAgkalia لمساعدتها أكثر من 17 ألف لاجئ من خلال تقديم الطعام والمأوى.

ويمنح مجلس أوروبا هذه الجائزة مرّة كل عامين يوم 17 كانون الأول - يوم اعتقال راوول وولنبيرغ في بودابست عام 1948. فمن هو هذا الرجل؟

راوول وولنبيرغ دبلوماسي سويدي ساعد الآلاف من يهود هنغاريا على الفرار من القتل الجماعي على يد النازيين أثناء الحرب العالمية الثانيّة.

بدأت جهوده في عمليات الإنقاذ في تموز/ يوليو 1944 بعد وصوله كديبلوماسي إلى بودابيست. كان النازيون وقتها قد رحّلوا نحو 440,000 يهودي من هنغاريا معظمهم نحو معسكر اوشفيتز، حيث أعدم كثيرون فور وصولهم.

إلّا أن الآلاف من اليهود نجوا من مصير النقل إلى معسكر اوشفيتز النازي بفضل جوازات مرور للحماية، زوّدهم بها وولنبيرغ الذي أصبحت قصته "أسطورة" بعد عام 1945، حيث اعتقل في ذلك العام على يد القوات السوفيتية في هنغاريا واختفى.

كانت السلطات السوفييتية السابقة قالت إنه غالبًا قد مات في سجن موسكو عام 1947، لكنّ عائلته شككت بتلك الرواية وأمضت عقودا من الزمن تحاول معرفة مصيره.

انتحرت أمه وزوجها عام 1979 بعد أن انفطر قلباهما بسبب إخفاق القوات السوفييتية في كشف تفاصيل ما حدث لابنها، وفقا لتقرير وول سترييت جورنال في فبراير/ شباط 2009.

وبقي مصير راوول وولنبيرغ لغزًا حتى أكدت وفاته رسميًا من جهة سويديّة رسميّة، وجاء الإعلان عن ذلك في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016.

  • المصدر: BBC عربي + اللواء