بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 تشرين الأول 2020 12:30م كيف تصل الأوبئة إلى نهايتها؟

حجم الخط

قبل تفشي وباء فيروس كورونا الحالي، لم يكن الكثيرون منا يفكرون بشكل جدي بالأمراض التي يمكن أن نصاب بها عندما نغادر منازلنا. ولكن معظم الأمراض الفيروسية والجرثومية التي واجهها أجدادنا إبان تفشي الأوبئة العالمية السابقة ما زالت موجودة معنا بشكل أو آخر.

انتقل إلى الأسفل لتتعرف على الكيفية التي انتهت بها بعض هذه الأوبئة، مما قد يعطينا فكرة عما يخبئه لنا المستقبل.

هذه هي ياسمين

مثلنا جميعا، نجا أجداد ياسمين من عدد من الأوبئة.

 

سافرْ إلى الماضي لتتعرف على طبيعة الأمراض التي اضطروا لمواجهتها.

 

الطاعون الدمّلي – المرض الفتاك الذي ما زال معنا ثلاثة تفشيات رئيسية، كان أولها في عام 541 للميلاد

عايش أجداد ياسمين، في العصور الوسطى قبل نحو 60 جيلا، سلسلة من تفشيات مرض الطاعون الدمّلي.

وكان تأثير الوباء، الذي تسببه جراثيم تنقلها البراغيث التي تعتاش على الفئران إلى الإنسان الذي يقوم بدوره بنقل العدوى عن طريق الرذاذ، فتاكاً بكل ما للكلمة من معنى.

 

تنتشر بكتيريا (يرسينيا بيستيس) المسببة للطاعون في أنواع معينة من القوارض

 

تصوير لبكتيريا يرسينيا بيستيس التي تعيش في البراغيث التي تعتاش على القوارض

 


 

فتك الطاعون بمئات الملايين من البشر في فترة تجاوزت في طولها ألفي عام


ويعد وباء "الموت الأسود" الذي تفشى بين عامي 1346 و1353 الأشد فتكا على الإطلاق.

*فتك الطاعون بالملايين، ولكنه لا يتسبب بموت إلا عدد قليل اليوم: إجمالي عدد الوفيات:لحد 200 مليون الوفيات الحالية:584 (الأرقام من 2010 إلى 2015)

(ملاحظة: بما أن عدد سكان الكرة الأرضية تزايد بشكل كبير بمرور الوقت، كان تأثير الأوبئة التاريخية أشد وطأة إلى حد بعيد عندما كان عدد السكان أصغر.المصدر: منظمة الصحة العالمية وبحوث أكاديمية)

يعتقد أن مرض الطاعون الدّملي، الذي يتسبب في ورم والتهاب الغدد اللمفاوية، ما يطلق عليها "الدمامل"، أخضع أخيرا للسيطرة عن طريق التقيد باجراءات العزل الصارمة والارتقاء بشروط النظافة وغيرها.

ولكن هذا ما كان له أن يحصل من غير استيعاب طريقة انتقال المرض، حسب ما يقول ستيفن رايلي، استاذ دينامية الأمراض المعدية في جامعة إمبيريال كوليج في لندن. وهذا مبدأ ما زال صحيحا اليوم.

ويقول رايلي "عندما تكون عندك المعرفة، وتشارك هذه المعرفة مع الآخرين، سيكون بامكانك اتخاذ الإجراءات الكفيلة بخفض قدرة المرض على الإنتشار".

ولكن العالم ما زال يشهد حالات اصابة بهذا المرض، كما حصل في منغوليا في تموز/ يوليو الماضي، وما زالت ياسمين معرضة للاصابة به – نظريا على الأقل.

ولكن عدد الإصابات الأخيرة قليل جدا، وبالإمكان علاج المرض بنجاح عن طريق استخدام المضادات الحيوية.

ليس لفيروس فاريولا الأصغر أي وسيط أو مستودع حيواني

 


 

الجدري – الفيروس الذي قضى عليه العلم سجل أول تفش للمرض في عام 1520، تبعته تفشيات كبيرة متعددة على مدى قرون.

بعد مرور عدة قرون، واجه أجداد ياسمين شبح الإصابة بمرض الجدري.

ويعد الفيروس الذي يسبب الجدري، فيروس فاريولا الأصغر، أحد أشد الفيروسات فتكا على الإطلاق.

ويتسبب المرض في تكوّن بثور صغيرة مليئة بسائل شفاف، يتحول لاحقًا إلى صديد، وفي ذروة انتشار المرض، يتسبب في هلاك 3 من كل 10 من المصابين به.

وينتشر المرض عن طريق الرذاذ الصادر عن أنف أو فم المريض، أو من خلال البثور الجلدية


تصوير لفيروس فاريولا الأصغر

 

 

مثله مثل الطاعون، فتك الجدري بمئات الملايين من البشر.

 

 

*فقد فتك بـ 350 مليون من البشر على الأقل، ولكنه لا يقتل أحدا اليوم: إجمالي عدد الوفيات: 350 مليون على الأقل - الوفيات الحالية:0
(المصدر: منظمة الصحة العالمية وبحوث أكاديمية)

ولكن، وبفضل لقاح طوره الطبيب البريطاني أدورد جينر في عام 1796، قضي على هذا المرض بشكل نهائي رغم أن ذلك استغرق قرنين من الزمن.

وما زال الجدري هو المرض البشري الوحيد الذي فضي عليه بهذه الطريقة. ويعتبر الأستاذ رايلي هذا الإنجاز واحدا من أعظم الانجازات التي حققها الإنسان، وينافس في أهميته الوصول إلى القمر.

ويقول "يمكن النظر إليه بوصفه أعظم مردود لاستثمار عام على الإطلاق"، وذلك في اشارة إلى الأموال التي وفرها العالم جراء غياب المرض.

وبفضل هذا الإنجاز العلمي الكبير، لم نعد نواجه – نحن وياسمين – خطر الإصابة به.


 

 

الكوليرا – المرض المتوطن في الدول ذات الدخول المنخفضة تفشيات متعددة ومتواصلة إلى يومنا هذا، وتفش واسع النطاق في عام 1817

بعد ذلك، وقبل ثمانية أجيال، واجه أجداد ياسمين خطر الإصابة بمرض الكوليرا (يسمى أحيانا الهيضة).

فتك مرض الكوليرا، الذي ينتقل عن طريق الطعام أو الماء الملوّث، بملايين البشر في سبع تفشيات وبائية حسب ما تقول منظمة الصحة العالمية.

تنتقل بكتيريا فيبريو كوليري المسببة للمرض عن طريق الطعام والماء الملوث

تصوير لبكتيريا فيبريو كوليري

 

 

لكن بينما قضى تحسن الشروط الصحية وأنظمة الصرف الصحي في الدول الغربية على مخاطر الإصابة بالمرض، ما زال مرض الكوليرا متوطنا في العديد من الدول الفقيرة وذات الدخول المنخفضة، وما زال يفتك بحوالي 100 الف إلى 140 ألف انسان سنويا، حسب ما تقول منظمة الصحة العالمية.

 
*فتك مرض الكوليرا بالملايين، وما زال يقتل الآلاف: إجمالي عدد الوفيات: 40 مليون تقريبا الوفيات الحالية:95,000 (التقديرات لكل سنة) 
المصدر: منظمة الصحة العالمية وبحث "نظرة محدثة للثقل العالمي للكوليرا في البلدان التي يتوطن فيها" (علي ونيلسون ولوبيز وساك) 2015

يقول الأستاذ رايلي "الصرف الصحي خير طريقة للوقاية من الكوليرا، وإذا كان الصرف سيئا ينتشر المرض بسرعة".

ولهذا السبب، واعتمادا على البلد الذي تعيش ياسمين فيه، من الممكن أنها ما زالت تواجه خطر الإصابة بالكوليرا وأن تموت بسبب ذلك رغم توفر اللقاح وسهولة علاج المرض.

 

 

الإنفلونزا – الخطرالموسمي (تفشيات وبائية متعددة، من القرن التاسع عشر إلى 2010)

لابد أن عائلة ياسمين عاصرت العديد من أوبئة الإنفلونزا. وكان أكبر تلك التفشيات قد وقع في أوائل القرن العشرين، أي الحقبة التي عاصرها أجدادها.

كانت أوبئة الإنفلونزا التي شهدها العالم في عام 1918، والتي يشار إليها أيضا بالإنفلونزا الإسبانية، أشد تفشيات هذا المرض في التاريخ الحديث على الإطلاق، إذ فتك بعدد يتراوح بين 50 و100 مليون من البشر في شتى أرجاء العالم.

وكما هو الحال مع وباء فيروس كورونا الحالي، نجحت اجراءات العزل في إبطاء انتشاره.

تسبب فيروس H1N1 في وباء الإنفلونزا الإسبانية
تصوير لفيروس H1N1 المسبب للإنفلونزا


وبعد تفشيين للمرض بين عامي 1918 و1920، اضمحل فيروس H1N1 وتحول إلى فيروس أقل تأثيرا وخطورة وما زال يعود سنويا.


*قضى ملايين البشر جراء الإصابة بالإنفلونزا الإسبانية، وما زالت الإنفلونزا الموسمية تقتل أعدادا كبيرة من البشر
إجمالي عدد الوفيات:أكثر من 50 مليون جراء الإصابة بالإنفلونزا الإسبانية - الوفيات الحالية:*650,000 تقريبا جراء الإصابة بالإنفلونزا الموسمية (التقديرات لكل سنة) 
ملاحظة: (حصيلة الوفيات الحالية تتعلق بالإنفلونزا الموسمية التي تختلف عن الإنفلونزا الوبائية)
المصدر: منظمة الصحة العالمية، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها

ولكن تبعت ذلك تفشيات أخرى.

وباء الإنفلونزا الذي عصف بهونغ كونغ في عام 1986 أودى بحياة مليون مصابا، وما زال منتشرا كمرض موسمي إلى اليوم. والأمر نفسه ينطبق على مرض إنفلونزا الخنازير – الذي يسببه نوع محوّر من فيروس H1N1– والذي أصاب نحو 21 في المئة من سكان الكرة الأرضية في عام 2009.

ويقول الأستاذ رايلي إن مرض الإنفلونزا ما زال يشكل "تهديدا وبائيا"، ولذا ما زلنا - ومعنا ياسمين - نواجه خطر التعرض لتفش وبائي آخر تسببه هذه الفيروسات.

كما نحن معرضون للإصابة بالإنفلونزا الموسمية، المرض الذي ما زال يفتك بمئات الآلاف سنويا.

No description available.

 

 

داء نقص المناعة المكتسب/ الأيدز – الوباء المستمرمن عام 1981 إلى الحاضر

 

 

قبل نحو أربعة عقود، شهد والدا ياسمين تفشي وباء داء نقص المناعة المكتسب والأيدز.

وفتك هذا المرض – الذي ينتقل عن طريق سوائل الجسم – بأكثر من 32 مليون مصاب في كل أنحاء العالم لحد الآن.

يهاجم فيروس مرض نقص المناعة المكتسب (HIV) جهاز المناعة
تصوير لفيروس مرض نقص المناعة المكتسب (HIV)

 

 

يقول الأستاذ رايلي إنه يمكن اعتبار فيروس نقص المناعة المكتسب "أسوأ سيناريو فيروسي على الإطلاق"، بسبب طول المدة التي يستغرقها حتى يتسبب في ظهور أعراض ونسبة الوفيات المرتفعة التي تنتج عن الإصابة به. وينتشر المرض بسرعة لأن المصابين لا يعرفون بالضرورة أنهم مصابون.

وقد ساعد في انحسار الوباء التغييرات التي حصلت في السلوكيات الجنسية والاستخدام الأوسع نطاقا لسبل الوقاية الجنسية وزيادة توفر العلاجات الآمنة.

ولكن مع ذلك، فتك الأيدز بحوالي 690,000 انسان في عام 2019، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

*قتل مرض الآيدز الملايين وما زال يفتك بالآلاف: إجمالي عدد الوفيات: 32 مليون - الوفيات الحالية: 690,000 (آخر أرقام 2019)  المصدر: منظمة الصحة العالمية

ورغم عدم توفر أي علاج ناجع لمرض نقص المناعة المكتسب، فبإمكان ياسمين أن تتمتع بعمر مديد وبصحة جيدة إذا كانت تعيش في بلد تتوفر فيه عناية صحية جيدة والقدرة على الحصول على العقاقير المضادة للفيروس المسبب للمرض.

ولكن إذا كانت تعيش في بلد فقير لا تتوفر فيه هذه التسهيلات، فإنها تعتبر من المعرضين للاصابة.

 
سارس وميرس – فيروسات كورونا الأسهل احتواء من 2002 - 2003 إلى 2012- الوقت الحاضر

بعد مرور عقدين أو ثلاثة، وخلال حياة ياسمين، جاء خطر الإصابة بسارس وميرس.

فتكت متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) – وهو أول وباء فتاك يسببه فيروس من نوع كورونا – بحوالي 800 إنسان بين عامي 2002 و2003 حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.

تم التعرف على فيروس كورونا المسبب لسارس (SARS-CoV) في عام 2003
تصوير لفيروس كورونا المسبب لسارس (Sars-Cov)

 

 

ولكن بحلول أواخر شهر تموز/ يوليو 2003، لم يعد يبلّغ عن وقوع حالات إصابة جديدة، مما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى الإعلان عن نهاية تفشي الوباء.

وبعد فترة قصيرة، جاءت متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرسMERS-CoV)، والذي يتسبب فيها فيروس آخر من نوع كورونا، وتسببت في موت 912 مصابا. ووقعت غالبية الإصابات في منطقة شبه الجزيرة العربية.

وبينما يعد احتمال الاصابة بميرس في بريطانيا – مثلا – ضعيفا جدا، ما زال الخطر ماثلا بدرجة أعلى في منطقة الشرق الأوسط حيث يصاب البشر بالعدوى من الجمال في معظم الحالات.


*فتك وباء سارس بأكثر من 800 انسان: إجمالي عدد الوفيات:813 المصدر: منظمة الصحة العالمية

وبينما يتواصل البحث عن لقاح فعّال للمرض وعلاج ناجع له، ما زال خطر الإصابة ماثلا أمام أغلبية البشرية. وما زالت ياسمين تواجه، مثلما نواجه جميعا، إمكانية الإصابة بكوفيد-19.

ما هو القادم؟

لذا فمن الواضح أن الفيروس الذي يستشري الآن في مجتمعاتنا هو مجرد الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة من الأوبئة التي واجهها أجدادنا والتي تتسبب فيها جراثيم متجددة من بكتيريا وفيروسات.

فتكت التفشيات الوبائية الكبرى بمئات الملايين عبر العصور
(ملاحظة: بما أن عدد سكان الكرة الأرضية تزايد بشكل كبير بمرور الوقت، كان تأثير الأوبئة التاريخية أشد وطأة إلى حد بعيد عندما كان عدد السكان أصغر.)

لعبت عوامل عدة، منها اكتشاف علاجات ولقاحات جديدة والالتزام بإجراءات التباعد – اضافة إلى توق المجتمع للعودة إلى حياة طبيعية – دورا في إنهاء الأزمات الوبائية السابقة.

ومن المرجح أن تضع العوامل ذاتها نهاية للوباء المتفشي حاليا.


 

 

يقول الأستاذ رايلي إنه بالرغم من أن تطوير لقاح "آمن وفعال" قد يضع نهاية لهذا الوباء، فإن النجاح في تطوير هذا اللقاح "ليس بالأمر المضمون بأي حال من الأحوال".

عوضا عن ذلك، قد يتعين علينا أن نصبح أكثر تأقلما مع هذا المرض بينما يتطور في أجسامنا قدر معين من المقاومة له.

ويقول "ففي خلال سنوات خمس بالتأكيد، أو خلال فترة أقصر، سنكون قد حصلنا على لقاح جيد يمكن استخدامه في كل أرجاء العالم، أو أن نكون قد عايشنا المرض لفترة تضمن حصولنا على مناعة ضده وأن نكون تعلمنا كيفية التعايش مع تفشيات جديدة أصغر مدى".

وكما أثبت النجاح المتمثل في القضاء على الجدري، فإن أمورا عظيمة يمكن أن تتحقق عندما يتحد علماء العالم ويعملون سوية.

ورغم أن فيروس كورونا المستجد يعد تحديا أكثر صعوبة بكثير بسبب النسبة الكبيرة من الإصابات الخالية من الأعراض، يشعر الأستاذ رايلي بالتفاؤل بأن البحث العالمي "المذهل" عن حل له سيكلل بالنجاح في نهاية المطاف.

ويقول "لم يتشارك العالم في مشروع كهذا حتى الآن. والأمل كبير في أن يتحقق النجاح في وقت ما".

ولكن، من المفيد لنا أن نتذكر أن معظم الأوبئة التي عصفت بالمجتمعات البشرية في الماضي ما زالت موجودة. فبينما انتهى تفشي الأوبئة، ما زالت الإصابات بهذه الأمراض تقع في بعض الأحيان.

المصدر: bbc بالعربي