بداية، علينا التذكير والإعتراف، بأن الفضل في حفظ أغاني الحج، وإنتاجها، يعود لجهتين: «شركة البواخر المصرية» التي كانت تدعم انتاج هذه النوعية الراقية من الاغاني (من منطلق الدعاية والإعلان عن مراكبها)، والاذاعة المصرية التي تأسست العام 1934 ثم تحولت إلى منصة عرض وتقديم لهذا اللون الغنائي - الإيماني...
وعلينا كذلك ان نقر بأن الأغنيات الخاصة بالحج، في الثقافة الشعبية، مكانتها، وبالتالي، يصبح من البديهي توارثها بين الناس، وان يحمل هذا «الفولكلور» مسمى «التحنين»، حيث كان الناس يألفون الاحتفال والاجتماع، للإستماع إلى الغناء الديني، من موشحات وابتهالات (وما شابه) خاصة بالحج، لاسيما في رحيل الحجيج إلى مكة المكرمة، إلا أن المهتمين بتدوين الاغاني - قبل عصر الاذاعة -لم يعتنوا وللأسف كثيراً بالاغاني المرتبطة بتلك المناسبة، ولكن بعد افتتاح الاذاعة المصرية في العام 1934، بدأت هذه الاخيرة بتقديم اغنيات عن الحج، مصحوبة بـ «تنويه» بأن تلك الاغاني «تذاع بتصريح خاص من شركة مصر للتمثيل والسينما» ما يعني ان الفضل في كثير من تراث الحج الغنائي يُعزى لشركة «بنك مصر» - 1925 - وايضاً لشركة «الملاحة المصرية» وهما من الشركات التي اسسها باني نهضة مصر الاقتصادية «طلعت حرب»، وحيث ان الشركة الاخيرة كانت قد وفرت باخرتين لنقل الحجاج من «ميناء السويس» إلى «ميناء جدة» فيما سخرت شركة «مصر للتمثيل والسينما» امكاناتها لإنتاج مجموعة من اغنيات الحج، مستعينة بأكثر من ملحن مشهور للمهمة، منهم: الشيخ زكريا احمد، احمد عبد القادر، محمد الكحلاوي وسواهم، وحيث ان الأخير سبق وان قدم منفرداً، من تأليفه وتلحينه وغنائه، واحدة من اشهر هذه الاغنيات: «اشتياق الحجيج» (العام 1936).
اما أول حفلة انتجتها شركة «مصر للتمثيل والسينما» ونقلتها الاذاعة المصرية على الهواء مباشرة، فكانت في 5/1/1937، وحملت عنوان: «حفلة بنك مصر»، وتضمنت اغنيات حج قدمتها المطربة الكبيرة يومذاك «نجاة علي»: «ذهاب الحجيج»، انشودة «عودة الحجاج»، وكلاهما من تأليف بديع خيري، وألحان الشيخ زكريا احمد، اضافة إلى موّالي «سيري يا زمزم» و«يا اللي رايح تحج البيت»، وحيث ورد في كلمات «ذهاب الحجيج»:
«صون يا نبي حجاجكنالوا الشفاعة بيك
ويا بحر هدي امواجك«زمزم وكوثر» فيك»
ومن الواضح ان هذه الاغنية، تضمنت دعاية مباشرة للباخرتين التابعتين لشركة الملاحة المصرية بناء لطلب الانتاج.
ان هذه الروح الدعائية استمرت في عدد من الاغاني، وبصورة اكثر وضوحاً، بدليل اغنية المطربة حياة محمد عن عودة الحجاج، والتي جاء في كلماتها التي صاغها يونس القاضي ولحنها عبده بقطر (اذيعت عبر الاذاعة المصرية في 19/3/1937):
«ما احلى وقوفنا يوم عرفاتودخولنا في روضة الهادي
ورحنا ويانا حاجاتواليسر في الركب يحادي
الحمد لك يا ربوفقت طلعت حرب
انشأ بواخر مصرية«كوثر» و«زمزم» في المية
يمشوا على كفوف الراحةوالشيلة دايماً مرتاحة»
وفي العام 1938، كلفت الإذاعة المصرية «المطرب الشاب فريد الاطرش، بتلحين اغنية بعنوان «محمل الحج» من كلمات بديع خيري، فقام بتلحينها ثم غناها في الاذاعة لاول مرة في 12/11/1938، الا ان هذا التسجيل ضاع للاسف ضمن ما ضاع من ثروة غنائية هائلة، وبذلك لم يحفظ هذا العمل إلى ان تم تسجيله بصوت الاخت «اسمهان»، ولتصبح «اغنية المحمل» احدى اروع اغاني الحج، ويقول مطلعها:
«عليك صلاة الله وسلامهشفاعة يا جد الحسنين
دا محملك رجعت ايامههنية واتهنت به العين»
اما «اطرف» اعمال ذاك الزمان، فكان اشتراك مؤلف مسيحي وملحنة - مطربة مسيحية في تقديم اغنية عن الحج إلى مكة، فقصيدة «هذا الحجيج اقبل» كتبها جبران كويني، ولحنتها وغنتها «لور دكاش»...
اما في اواخر الاربعينيات فقد قدمت «نجاة علي» 13 بيتاً من قصيدة «إلى عرفات» من كلمات امير الشعراء احمد شوقي والحان «عبد الفتاح بدير» وللأسف ضاع تسجيلها ايضاً، وهي الكلمات نفسها التي غنتها أم كلثوم العام 1951 وانما بالحان رياض السنباطي، ويقول مطلعها:
إلى عرفات الله يا خير زائرعليك سلام الله من عرفات
وفي فترة الخمسينيات، خلدت السينما المصرية بعض اغنيات الحج، وحيث عرض فيلم «افراح»، وتضمن اغنية:
«مبروك يا حج وعقبالنانحجها ويرتاح بالنا
يا مسعدك زرت الكعبةوطفت بالصفا والمروة
يا ريتنا كنا معاك صحبةومن عيون زمزم تروى»
هذه الكلمات غنتها اللبنانية الكسندرا بدران (نور الهدى) وهي من تأليف حسن توفيق والحان عبد العزيز محمود.