بتاريخ 23/6/1997، أهداني الزميل المؤرخ والناقد الفني والصديق الإذاعي، الراحل سعد سامي رمضان، كتابه الشيق «أم كلثوم... صوت في أمة».. وإلى جانب اهدائه وتوقيعه إهداء وتوقيع للناشر المحترم محمّد سعيد الزين (الشركة العالمية للكتاب)...
ولأن الهدية لم تكن مجرّد كتاب عابر، وإنما هو «معجم» فني خطت كلمات صفحاته ذاكرة أحد أهم الإعلاميين - النقاد الفنيين، المتخصصين في شؤون الغناء العربي الأصيل في عصرهم، فإن قراءته كانت تحتاج بالتأكيد إلى تفرغ وتدقيق، خصوصاً وانه يتناول سيرة ومسيرة سيّدة مطربة عربية قديرة وكبيرة، غيّرت مجرى الغناء العربي، ونقلته من عصري سيّد درويش وما قبله، إلى عصر آخر أكثر تجدداً وانفتاحاً وعودة إلى اكتشاف الأصول الموسيقية - الغنائية العربية - الشرقية، إضافة إلى ان هذا «المعجم» الفني يعتبر نادراً، من حيث إحتواؤه، في صفحاته الأولى على كلمة «إهداء» بقلم المؤلف لـ «شقيقته الغالية سميحة، وإلى رفيقة عمره زوجته نهلا، وإلى إبنته الزميلة العزيزة الإعلامية دينا»، وحيث ان المؤلف الراحل كان قد شهد على بلوغها النضج الإعلامي وخوضها بنجاح وتفوق غمار مهنة المتاعب، قبل ان يغادر دنيانا، تاركاً بين ايدي محبيه ومحبي أم كلثوم، ذكراه العطرة وكتابه الشيق «أم كلثوم... صوت في تاريخ أمة»..
وبعد الإهداء المذكور، تتولى كلمات بعناوين مختلفة، لشخصيات عرفت أم كلثوم عن قرب، ولها دلالاتها السياسية والإجتماعية والإعلامية، منها: «مقدمة لا بدّ منها» بقلم سفير مصر في لبنان (حينذاك) سيّد أبو زيد عمر، و«أم كلثوم هبة وموهبة حملت عظمة الأهرام وتحيات النيل إلى مدينة الشمس بعلبك» بقلم الرئيس حسين الحسيني، و«أم كلثوم أقامت الوحدة العربية القومية الأخوية» بقلم الرئيس صائب سلام، وكلمة للرئيس شفيق الوزان بعنوان «كوكب الشرق يميزها عن كواكب السماء أنها من الأرض صعدت، وتركزت من فوق، وشعاعها طغى فوق كل الحدود»، ثم كلمة نقيب الصحافة اللبنانية محمّد البعلبكي «أم كلثوم وسر العبقرية»، فيما عنوان مقالة نقيب المحررين ملحم كرم كان عن حادثة قفزه فوق الحاجز الأمني بمطار بيروت لاستقبال أم كلثوم، وفي الختام، جاءت كلمة موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب، وحملت العنوان الأكثر شفافية وواقعية وتعبيراً عن مضمون هذا «المعجم» الفني: «أم كلثوم موسوعة... واكاديمية... وجامعة»... ولتتوالى من ثم قصص وذكريات لكثيرين من الكتاب والإعلاميين والسياسيين من لبنان وخارجه، عرفوا كوكب الشرق عن قرب، ومن هؤلاء: باسم السبع، غسّان مطر، السفير د. حليم أبو عز الدين، المستشارة الإعلامية للرئيس الياس الهراوي مي كحالة، المستشار الإعلامي في سفارة مصر بلبنان محمّد السيّد دياب، الكاتب الصحفي حسن صبرا، الشاعر والإعلامي جورج جرداق (مؤلف قصيدة «هذه ليلتي» للسيدة أم كلثوم)، الإعلامي محمّد عنان، الصحافي وليد عوض، الصحافية دينا سعد سامي رمضان، الصحافي المصري رجاء النقاش، الصحافي إبراهيم عوض، الكاتب عبد الحميد توفيق زكي، الناقد الفني الكاتب الصحفي كمال النجمي، أحمد الحفناوي (عازف الكمان الشهير بفرقة أم كلثوم) وعشرات آخرين من أشهر الكتاب والصحافيين والشخصيات الإجتماعية في لبنان والوطن العربي، اقتربوا من كوكب الشرق وعبروا عن المكتسبات التي جنوها من هذا الإقتراب، وجميع من ذكرتهم، كانت لهم مواقف وحكايات مع أم كلثوم، حول مسارها ومسيرتها اللذين غيرا مفاهيم الغناء العربي على مدى 45 عاماً ونيف، وتعاونت في خلال هذه السنوات مع أبرز شعراء الوطن العربي، ومع أكثر مبدعيه في صياغة النغم والألحان..
وتحت عنوان:
«أم كلثوم... يا بشيراً
من الله... برجاء
أنت من وحيه ولله
في الفن أنبياء».
وهي الأبيات التي استعارها المؤلف الكبير الراحل سعد سامي رمضان من الأديب المصري عباس محمود العقاد، لتكون عنوان التحقيق الذي كتبه في مجلة «الأسبوع العربي» (العدد 372 تاريخ 25/7/1966)، لمناسبة الحفل الراقي الذي احيته أم كلثوم في قلعة بعلبك، أقتطع فقرة من بين الفقرات العديدة، يذكر فيها المؤلف قصة الإمرأتين المرافقتين دائماً لكوكب الشرق، في ترحالها الفني، ويروي مهمتهما «الغريبة»، حيث كتب:
- «هناك إمرأتان تقفان دائماً بإنتظار نهاية الوصلة الغنائية من أي حفل لأم كلثوم... لا لتصفقا لها كما يفعل الملايين، على امتداد الشارع العربي، وإنما لتقوما بمهمة أخرى لم يسبق لأي مطربة في العالم ان عرفتها، الا وهي «المساج»؟!.
ويشرح سعد سامي رمضان، وهو المستحق للقب «أمين أسرار كبار أهل الفن في الوطن العربي»:
- أم كلثوم اعتادت ان تقف خلال ساعتين أو أكثر، لتقدم وصلتها الغنائية... تعيش على أعصابها وهي تشدو، فتتأثر بكل كلمة ونغمة، وتدق الأرض بقدمها اليمنى دقاً خفيفاً، وكأنما هي «تضبط» الواحدة لنفسهما، ومن هنا، تتشنج أعصابها واعصاب قدميهما بالذات، فتبرز الشرايين منها بشكل ملحوظ مثير للشفقة، ولذا، عهدت إلى سيدتين خصصت لهما راتباً شهرياً محدداً، يرافقانها إلى كل حفلاتها الداخلية والخارجية، وتتوليان مهمة «المساج» (التدليك)، وقد اصبحتا عند كوكب الشرق «لازمتين» من لوازم العمل الفني، مثلهما مثل الفرقة الموسيقية!!
(انتهت المعلومة).
كتاب «أم كلثوم... صوت في تاريخ أمة» كنز غني بأخبار مجهولة لدى العامة والخاصة، ومعلومة فقط لدى أقرب المقربين من أم كلثوم، ويتضمن أيضاً ارشفة منسقة لكل أغنياتها، وأسماء مؤلفيها وملحنيها، منذ بداية تعاونها مع الشيخ أبو العلا محمّد، مروراً بـ محمّد القصبجي، داوود حسني، الشيخ زكريا أحمد، رياض السنباطي، فريد غصن، محمّد الموجي، كمال الطويل، ووصولاً إلى بليغ حمدي وموسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب، وأخيراً الشيخ سيّد مكاوي.
رحم الله الكاتب والناقد الفني والاذاعي الزميل الصديق سعد سامي رمضان الذي أصدر «معجمه» الفني في مثل هذه الأيام منذ 21 عاماً، ورحم معه كل من انتقل إلى مثواه الأخير من بين من ذكرنا من أهل الفن والسياسة والإعلام والمجتمع، وتعزيتنا، نحن من كتب لنا المولى سبحانه وتعالى العمر، أننا اطلعنا، وما زال بإمكان سوانا الإطلاع، على الموسوعة، أو المعجم الفني «أم كلثوم» صوت في تاريخ أمة».