بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيلول 2019 12:02ص الجوائز المُهداة «عمّال على بطّال» باتت عبئاً على صورتنا الثقافية

يجب حصر الجهات المانحة.. وإخضاعها لشروط.. تُوقف الفلتان؟

3 نماذج من الجوائز والدروع 3 نماذج من الجوائز والدروع
حجم الخط
واضح أن الفساد عندنا تسلل إلى كل المنابر، ولأن تمدّده كما نوعه سرطاني فلا أمل بوقفه إلاّ بالجراحة الموضعية والإستئصال، منعاً لقضائه على البقية الباقية من معالم الثقافة المحترمة في بلد يفخر بهذه الصورة منذ إتخذنا شعاراً لنا وهو «لبنان بلد الحرْف».

كلما صحونا نقع على أخبار منْح جوائز وتقديرات ودروع بالجملة هنا وهناك وهنالك، أو نتلقى دعوات لا حصر لها بالـ «واتس أب» لحضور حفلات منح جوائز إعلامية وفنية لأسماء والله والله ألف مرة أننا لم نسمع بها أبداً، ونشاهد عمليات التتويج وإلقاء الكلمات لوجوه مجهولة بالكامل عندنا، ونجد أن مرجعيات تمّت فبركة عناوين لها تتيح لمن أرادت أن تُتوجهم بجوائز أفضل إعلامي (ما أسوأ هذه التسمية وما أقل قيمتها) أو إعلامية (لـ «مانوكانات» وقدود ميّاسة) وأفضل ممثلين (من أدنى الصفوف) وحفلات وكوكتيلات تُصرف عليها آلاف الدولارات أو هي عمليات مبادلة خدمات، فيما الفن والثقافة في ميدان آخر لا يُشبه هذه المشاهد أبداً.

باتت الأمور في أسوأ حال، ولم يعد مُجدياً ترك الحيثيات على غاربها من دون رفع الصوت وحتى رفع القبضة إذا ما إقتضى الأمر، فهذا الواقع بات يتهدّد صورتنا جميعاً نحن العاملين في هذا الميدان ونعتبر أنفسنا الحرّاس الأمينين على هذا المنبر الرمز، ونتحرك من منطلق عدم التهاون مع عمليات التطاول وبالجملة على الصورة الحضارية التي يُفترض بنا الحفاظ عليها لتبقى لنا مساحة تقدير وإحترام محلياً وخارجياً. فماذا لو أن وزارة الثقافة أخذت على عاتقها الحفاظ على هذا الكنز الذي لا نكف عن التغنّي به في كل مناسبة بحيث لا ندع منفذ هواء حتى، يسمح للصغار والمندسين وتجار الجهل أن يتسللوا ببساطة إلى الصفوف الأمامية ويُتوّجوا أسماء على شاكلتهم للهبوط بالفنون والثقافة إلى أدنى درك لجعل كل ما عندنا يتساوى وصورة السياسيين وناهبي المال العام والقابضين على القرارات كما على المكاسب لمنع الناس من بلوغ نعمة الإكتفاء والفرح.

صور مزعجة بشعة لا تُطاق تطالعنا على الدوام ونجد أنفسنا أمام كثرة خارجة عن المنطق والقانون والأدب، حوّلتنا بحنكة السحر والإبتزاز والكوتشينة إلى أقلية نصرخ وجعاً وغيرة على هذا الواقع الذي تمّت جرجرة الفن والثقافة والإعلام إليه، وإذا لم تتحرك وزارة الثقافة وتوقف رعايتها لإحتفالات سطحية وهمية تضع أمامها الوزارة كدرع يحميها من عيون الأوادم والطاقات النوعية في هذا المجتمع المثقف، فإن الأمور ذاهبة إلى ما هو أسوأ مما يهدّد كل الصروح التي بناها روّاد سبقونا وها نحن نفرّط في الحفاظ عليها تاركين الأجواء مشرّعة لكل مستغل ولص فرص سانحة لكي يتبوأ المشهد ويُقدّم نفسه صانع معجزة حضارية كاذبة في صورتها ومضمونها.

الجوائز يجب أن تكون لها مرجعيات محترمة، موثوقة، لا غبار على حاضرها وماضيها ويتم إخضاعها لشروط صعبة ضيقة تمنع أي رواج للجهل والبلطجة وقلّة الأخلاق وهي صفات نقابلها في 95 بالمئة من المنابر التي تتنطح لتقديم شهادات تقدير وتماثيل من أي نوع كان تقول من خلالها إنها الحاضرة على الساحة ولا أحد غيرها يلاحق الجهد الفني والثقافي والإعلامي المبذول لكي يحق لها التقييم ومن ثم التكريم، سيئون يقدّرون سيئين مثلهم، والصورة الحقيقية غائبة عن المنبر، تماماً كما أصحاب الشأن. وللعلم فنحن الأمة الوحيدة في هذا العالم التي يُشترى فيها اللقب والجاه والتقدير الأول والتميّز بالمال أو الخدمات العاطفية.. أو الضغط السياسي؟؟ بئس هذا الواقع.